للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرَمِ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ التَّذْكِيرُ وَالصَّرْفُ وَقَدْ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ مِنْ الْيَوْمِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُسْتَحَبِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَنَّهُ يَخْرُجُ إلَيْهَا بَعْدَمَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَابْنِ عُمَرَ مَعَ اتِّفَاقِ الرُّوَاةِ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى فَالْبَيْتُوتَةُ بِهَا سُنَّةٌ وَالْإِقَامَةُ بِهَا مَنْدُوبَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا فَلَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَخْرُجُ مَا لَمْ يُصَلِّهَا كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مِصْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتْرُكَ التَّلْبِيَةَ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا حَالَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَخَارِجَهُ إلَى حَالِ كَوْنِهِ فِي الطَّوَافِ، وَيُلَبِّي عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَيَدْعُوَا بِمَا شَاءَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَسْجِدِ الْخَيْفِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ) وَهِيَ عَلَمٌ لِلْمَوْقِفِ وَهِيَ مُنَوَّنَةٌ لَا غَيْرُ، وَيُقَالُ لَهَا عَرَفَةُ أَيْضًا وَيَوْمُ عَرَفَةَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ اللَّهِ فِيهِ أَوْ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَهُ الْمَنَاسِكَ فِيهِ، أَوْ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا فِيهِ بَعْدَ الْهُبُوطِ إلَى الْأَرْضِ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَيْهَا جَازَ كَمَا يَفْعَلُهُ الْحُجَّاجُ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَبِيتُ بِمِنًى لِتَوَهُّمِ الضَّرَرِ مِنْ السُّرَّاقِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسِيرَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ، وَيَعُودَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ، وَيَنْزِلَ مَعَ النَّاسِ حَيْثُ شَاءَ وَبِقُرْبِ الْجَبَلِ أَفْضَلُ وَالْبُعْدُ عَنْ النَّاسِ فِي هَذَا الْمَكَانِ تَجَبُّرٌ وَالْحَالُ حَالُ تَضَرُّعٍ وَمَسْكَنَةٍ أَوْ إضْرَارٌ بِنَفْسِهِ أَوْ مَتَاعِهِ أَوْ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمَارَّةِ إنْ كَانَ بِالطَّرِيقِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ بِنَمِرَةَ وَنُزُولُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا لَا نِزَاعَ فِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اُخْطُبْ) يَعْنِي خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالْآذَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْجُمُعَةِ لِلِاتِّبَاعِ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ لِإِفَادَةِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ قَبْلَ الزَّوَالِ وَاكْتَفَى بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُولَى مِنْ تَعْلِيمِ الْمَنَاسِكِ عَنْ أَنْ يَقُولَ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ الَّتِي هِيَ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَالْإِفَاضَةُ مِنْهُمَا وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْإِطْلَاقُ مَصْرُوفًا إلَى الْمَعْهُودِ دَلَّ أَنَّهُ إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ وَجَلَسَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلِاتِّبَاعِ الثَّابِتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

(قَوْلُهُ ثُمَّ صَلِّ بَعْدَ الزَّوَالِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ بِشَرْطِ الْإِمَامِ وَالْإِحْرَامِ) لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ فَيُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ يُقِيمُ لَهُ ثُمَّ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ فَتُفْرَدَ بِالْإِقَامَةِ لِلْإِعْلَامِ.

وَأَشَارَ بِذِكْرِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ فَيُقِيمُ بِهَا وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَمَّا لَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَكَانِ حُكْمٌ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُهُ وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِهِمْ أَيْ الذَّهَابُ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ هُوَ الْأَوْلَى وَلَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ جَازَ قُلْت هَذَا حَسَنٌ وَلَكِنْ بَقِيَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يُقَيِّدَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ بِأَنْ يَقُولَ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى يَصِحَّ بِنَاءُ قَوْلِهِ وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَيْدَ تَرْكٌ لِسَهْوِ الْكَاتِبِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَأَجَابَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِمَا فِي الْغَايَةِ مِنْ إرْجَاعِ الْإِشَارَةِ إلَى التَّوَجُّهِ بِعَرَفَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَمَّا لَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا قَبْلَهَا جَازَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهَا حِينَئِذٍ تُوهِمُ أَنَّ التَّوَجُّهَ قَبْلَ الشَّمْسِ كَعِبَارَةِ الْمَتْنِ هُنَا تَأَمَّلْ هَذَا وَفِي مَنَاسِكِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ دُخُولِهِمْ أَرْضَ عَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَخَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَيَفُوتُهُمْ بِسَبَبِهِ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الصَّلَوَاتُ بِمِنًى وَالْمَبِيتُ بِهَا وَالتَّوَجُّهُ مِنْهَا إلَى نَمِرَةَ، وَالنُّزُولُ بِهَا وَالْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ قَبْلَ دُخُولِ عَرَفَاتٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْكُثُوا بِنَمِرَةَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَيَغْتَسِلُوا بِهَا لِلْوُقُوفِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ذَهَبَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ إلَى الْمَسْجِدِ الْمُسَمَّى مَسْجِدَ إبْرَاهِيمَ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَتَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ إلَخْ) بِفَتْحِ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ اسْمٌ لِلْجَبَلِ الَّذِي حَذَاهُ مَسْجِدُ الْخَيْفِ فِي أَصْلِهِ، وَطَرِيقُهُ فِي أَصْلِ الْمَأْزِمَيْنِ عَنْ يَمِينِك وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى عَرَفَاتٍ وَالْمَأْزِمَانُ مَضِيقٌ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَهُوَ بِفَتْحِ مِيمٍ وَسُكُونِ هَمْزَةٍ وَيَجُوزُ إبْدَالُهَا وَكَسْرِ زَايٍ شَرْحُ اللُّبَابِ.

(قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لَكِنْ تَرَكَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّوْكِ وَغَلَبَةِ الْخَوْفِ وَقِلَّةِ الشَّوْكَةِ لَأَكْثَرَ الْحَاجُّ شَرْحُ اللُّبَابِ.

(قَوْلُهُ وَلَمَّا كَانَ الْإِطْلَاقُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى مَا بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَآخِرِهِ مِنْ التَّدَافُعِ إذْ لَوْ انْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ لَمَا أَفَادَ الْجَوَازَ قَبْلَ الزَّوَالِ اهـ.

أَيْ فَكَمَا أَنَّ الْمَعْهُودَ أَنَّهُ إذَا صَعِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>