لِأَنَّ النُّوَّابَ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ، وَالْأَصْلِيُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ إحْرَامُ الْحَجِّ حَتَّى لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ يُصَلِّي الْعَصْرَ فِي وَقْتِهِ عِنْدَهُ، وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا فِي كُلٍّ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ لَا فِي الْعَصْرِ وَحْدَهَا حَتَّى لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فِي الظُّهْرِ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِي الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فِي الظُّهْرِ، وَأَطْلَقَ فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُهُ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِمَامُ لِجَمِيعِ أَدَاءِ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْهُ مَعَهُ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ
وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْإِحْرَامُ عِنْدَ الْعَصْرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ فَجُوِّزَ لِلْمُنْفَرِدِ الْجَمْعُ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى الظُّهْرَ إشَارَةٌ إلَى الصَّحِيحَةِ فَلَوْ صَلَّاهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ فَسَادُ الظُّهْرِ أَعَادَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ عُدِمَ شَرْعًا، وَذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ هَذَا الْجَمْعِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا.
(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى الْمَوْقِفِ وَقِفْ بِقُرْبِ الْجَبَلِ) أَيْ ثُمَّ رُحْ وَالْمُرَادُ بِالْجَبَلِ جَبَلُ الرَّحْمَةِ (قَوْلُهُ وَعَرَفَاتٌ كُلِّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «عَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَشِعَابُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ» وَفِي الْمُغْرِبِ عُرَنَةُ وَادٍ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ وَبِتَصْغِيرِهَا سُمِيَتْ عُرَيْنَةُ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْعُرَنِيُّونَ
وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا بِغَرْبِيِّ مَسْجِدِ عَرَفَةَ حَتَّى لَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْجِدَارَ الْغَرْبِيَّ مِنْ مَسْجِدِ عَرَفَةَ لَوْ سَقَطَ سَقَطَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ، وَحَكَى الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ عَرَفَةَ فِي الْحِلِّ وَعُرَنَةَ فِي الْحَرَمِ.
(قَوْلُهُ حَامِدًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا دَاعِيًا) أَيْ قِفْ حَامِدًا إلَى آخِرِهِ لِحَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لِأُمَّتِهِ بِالْمَغْفِرَةِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ ثُمَّ أَعَادَ الدُّعَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَأُجِيبَ حَتَّى الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ» خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فَإِنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ سَاقِطُ الِاحْتِجَاجِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحُفَّاظُ لَكِنَّ لَهُ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ فُلَانٌ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ فَجَعَلَ الْفَتَى يُلَاحِظُ النِّسَاءَ وَيَنْظُرُ إلَيْهِنَّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[منحة الخالق]
وَإِلَّا لَا فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ تَتَارْخَانِيَّةُ عَنْ الْمُحِيطِ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْإِحْرَامُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الشرنبلالية عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَخْ) نَقَلَهُ شَارِحُ اللُّبَابِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ وَقَالَ فِيهِ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْوُقُوفِ وَيُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الزَّوَالِ فَلَا تَقَعُ الصَّلَاةُ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَفَ بِقُرْبِ الْجَبَلِ) أَيْ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ الصَّخَرَاتُ السُّودُ الْكِبَارُ الْمُفْتَرِشَاتُ فِي طَرَفَيْ الْجُبَيْلَاتِ الصِّغَارِ الَّتِي كَأَنَّهَا الرَّوَابِي الصِّغَارُ عِنْدَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَطْنَ نَاقَتِهِ إلَى الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَانَ مَوْقِفُهُ عِنْدَ النَّابِتِ.
قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَالنَّابِتُ هُوَ الْفَجْوَةُ الَّتِي خَلْفَ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَأَنَّ مَوْقِفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَلَى ضِرْسٍ مُضَرَّسٍ بَيْنَ أَحْجَارٍ هُنَاكَ نَاتِئَةٌ مِنْ جَبَلِ الْآلِ قَالَ الْفَارِسِيُّ قَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ وَقَدْ اجْتَهَدْت عَلَى تَعْيِينِ مَوْقِفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَوَافَقَنِي عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ مُحَدِّثِي مَكَّةَ وَعُلَمَائِهَا حَتَّى حَصَلَ الظَّنُّ بِتَعْيِينِهِ، وَأَنَّهُ الْفَجْوَةُ الْمُسْتَعْلِيَةُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى الْمَوْقِفِ الَّتِي عَنْ يَمِينِهَا وَوَرَاءَهَا صَخْرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِصَخَرَاتِ الْجَبَلِ، وَهَذِهِ الْفَجْوَةُ بَيْنَ الْجَبَلِ وَالْبِنَاءِ الْمُرَبَّعِ عَنْ يَسَارِهِ وَهِيَ إلَى الْجَبَلِ أَقْرَبُ بِقَلِيلٍ بِحَيْثُ يَكُونُ الْجَبَلُ قُبَالَتَك بِيَمِينٍ إذَا اسْتَقْبَلْت الْقِبْلَةَ وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ عَنْ يَسَارِك بِقَلِيلٍ وَرَاءَ فَإِنْ ظَفِرْت بِمَوْقِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الْغَايَةُ الْقُصْوَى فَلَازِمْهُ وَلَا تُفَارِقْهُ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْك فَقِفْ مَا بَيْنَ الْجَبَلِ وَالْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ عَلَى جَمِيعِ الصَّخَرَاتِ وَالْأَمَاكِن الَّتِي بَيْنَهُمَا وَعَلَى سَهْلِهَا تَارَةً وَعَلَى جَبَلِهَا تَارَةً لَعَلَّك أَنْ تُصَادِفَ الْمَوْقِفَ النَّبَوِيَّ كَذَا فِي الْمُرْشِدِيِّ عَلَى الْكَنْزِ، وَقَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدٌ عِيدٌ وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِمَطْبَخِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ وَقَفْت بِمَوْقِفِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِرَارًا كَثِيرَةً، وَحَصَلَ لِي مِنْهُ خُشُوعٌ عَظِيمٌ وَيُعْرَفُ بِحِذَائِهِ صَخْرَةٌ مَخْرُوقَةٌ تَتْبَعُ هِيَ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الصَّخَرَاتِ الْمَفْرُوشَةِ وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ الصِّخَارِ السُّودِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْجَبَلِ هُنَا الْمَطْلُوبُ اهـ.
كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) ظَاهِرُ هَذَا وَكَذَا قَوْلُهُ فِي مُزْدَلِفَةَ وَهِيَ مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَنَّ الْمَكَانَيْنِ لَيْسَا بِمَكَانِ وُقُوفٍ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِمَا كَمَا سَيَأْتِي