للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ غُفِرَ لِكُلِّ أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةً فِي غَيْرِ يَوْمِ جُمُعَةٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَالْمُنَافَرَةِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ بَلْ وَمِنْ الْمُبَاحِ أَيْضًا فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) أَيْ ثُمَّ رُحْ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَاوَزَ حُدُودَ عَرَفَةَ لَزِمَهُ دَمٌ.

وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَبْطَأَ بِالدَّفْعِ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَإِنَّ النَّاسَ يَدْفَعُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوَافَقَةَ فِي مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَلَوْ مَكَثَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَبَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِخَوْفِ الزِّحَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كَانَ مُسِيئًا لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ، وَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مُزْدَلِفَةَ مَاشِيًا، وَأَنْ يُكَبِّرَ وَيُهَلِّلَ وَيَحْمَدَ وَيُلَبِّيَ سَاعَةً فَسَاعَةً.

(قَوْلُهُ وَانْزِلْ بِقُرْبِ جَبَلِ قُزَحَ) يَعْنِي الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَدْلِ وَالْعَلَمِيَّةِ كَعُمَرَ مِنْ قَزَحَ الشَّيْءُ ارْتَفَعَ يُقَالُ إنَّهُ كَانُونُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ مَوْقِفُ الْإِمَامِ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَا يَنْبَغِي النُّزُولُ عَلَى الطَّرِيقِ وَلَا الِانْفِرَادُ عَلَى النَّاسِ فَيَنْزِلُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.

(قَوْلُهُ وَصَلِّ بِالنَّاسِ الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) أَيْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعَ تَأْخِيرٍ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَذَّنَ لِلْمَغْرِبِ بِجَمْعٍ فَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ بِالْإِقَامَةِ الْأُولَى» .

وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تَطَوُّعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَلَوْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا أَعَادَ الْإِقَامَةَ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ وَفِي الْهِدَايَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَادَ الْأَذَانُ كَمَا فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِإِعَادَةِ الْإِقَامَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ بِالْعِشَاءِ» وَإِلَى أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بِسَبَبِ النُّسُكِ فَيَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَغَيْرِهِمْ وَإِلَى أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا شُرِطَ فِي الْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ تَقَعُ أَدَاءً فِي وَقْتِهَا، وَالْمَغْرِبَ قَضَاءً، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ بِجَمَاعَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ بَلْ يُنِيخُ جِمَالَهُ وَيَعْقِلُهَا، وَهَذِهِ لَيْلَةٌ جَمَعَتْ شَرَفَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إحْيَائِهَا بِالصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالتَّضَرُّعِ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ تَجُزْ الْمَغْرِبُ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ لَمْ تَحِلَّ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مُزْدَلِفَةَ لِلْحَدِيثِ «الصَّلَاةُ أَمَامَك» قَالَهُ حِينَ قَالَ قِيلَ لَهُ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ فِي طَرِيقِ مُزْدَلِفَةَ أَيْ وَقْتَهَا فَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِعَرَفَاتٍ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى.

وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعِشَاءَ لَا تَحِلُّ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَةَ الْوَقْتِ وَهِيَ الْمَغْرِبُ إذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ بِهِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى، وَلَمَّا كَانَ وَقْتُ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ وَقْتَ الْعِشَاءِ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ خَافَ طُلُوعَ الْفَجْرِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّهِمَا لَصَارَتَا قَضَاءً، وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَدَاؤُهُمَا بِالطَّرِيقِ فَإِذْ صَلَّاهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا فَقَدْ ارْتَكَبَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ فَكُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَهَا وَجَبَ إعَادَتُهَا فَيَجِبُ إعَادَتُهُمَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فَإِنْ طَلَعَ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَقَدْ خَرَجَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا

ــ

[منحة الخالق]

الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَفِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَهَبُ قَوْمًا لِقَوْمٍ اهـ.

كَذَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ نُورِ الدِّينِ الزِّيَادِيِّ الشَّافِعِيِّ.

(قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تَطَوُّعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) أَيْ بَلْ يُصَلِّي سُنَّةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْوِتْرَ بَعْدَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَوْلَانَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْجَامِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ السَّامِي فِي مَنْسَكِهِ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْقَارِي. (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) لَا أَصْلَ لِهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ وَالْمَغْرِبَ قَضَاءً) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ يَنْوِي فِي الْمَغْرِبِ الْأَدَاءَ لَا الْقَضَاءَ. اهـ.

قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي، وَلَمَّا كَانَ وَقْتُ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ وَقْتَ الْعِشَاءِ إلَخْ، وَكَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الدَّلِيلَ الظَّنِّيَّ أَفَادَ تَأْخِيرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَيْ عَدَمِ خُرُوجِهِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ فِي خُصُوصِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. (قَوْلُهُ وَهَذِهِ لَيْلَةٌ جَمَعَتْ شَرَفَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ فِي شَرَفِهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ كُنْت مِمَّنْ مَالَ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ تَجُزْ الْمَغْرِبُ فِي الطَّرِيقِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّهَاوِيُّ فِي مَنْسَكِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي الطَّرِيقِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا ذَهَبَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ طَرِيقِهَا أَمَّا إذَا ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ بِلَا تَوَقُّفٍ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ سِوَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَكَلَامُ شَارِحِ الْكَنْزِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ اهـ.

وَكَذَا صَرَّحَ بِهَا فِي الْبِنَايَةِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا اهـ.

كَذَا وَجَدْته بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ أَبِي سَلَمَةَ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ الْكَنْزِ، وَقَدْ نَقَلَ عِبَارَةَ الْعِنَايَةِ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَأَقَرَّهَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ هَاهُنَا مَسْأَلَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>