للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّمْسُ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَسْقُطُ الرَّمْيُ لِانْقِضَاءِ وَقْتِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا اهـ.

فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ لِلرَّمْيِ وَقْتَ أَدَاءً وَوَقْتَ قَضَاءٍ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ بَادِئًا إلَى آخِرِهِ إلَى التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ غَيَّرَ هَذَا التَّرْتِيبَ فَبَدَأَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهَا ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ بِمِنًى وَهُوَ بَعْدُ فِي يَوْمِهِ أَعَادَ الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى وَجَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لِيَأْتِيَ بِهَا مُرَتَّبًا مَسْنُونًا وَعَلَّلَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ مَسْنُونٌ قَالَ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ رَمْيَ كُلِّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ تَامَّةً بِنَفْسِهَا وَلَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ لِلْبَعْضِ فَلَا يَتَعَلَّقُ جَوَازُهَا بِتَقْدِيمِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ كَالطَّوَافِ قَبْلَ الرَّمْيِ يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ وَإِذَا كَانَ مَسْنُونًا

فَإِنْ رَمَى كُلَّ جَمْرَةٍ بِثَلَاثٍ أَتَمَّ الْأُولَى بِأَرْبَعٍ ثُمَّ أَعَادَ الْوُسْطَى بِسَبْعٍ ثُمَّ الْعَقَبَةَ بِسَبْعٍ؛ لِأَنَّهُ رَمَى مِنْ الْأُولَى أَقَلَّهَا، وَالْأَقَلُّ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فَكَأَنَّهُ أَتَى بِهِمَا قَبْلَ الْأُولَى أَصْلًا فَيُعِيدُهُمَا فَإِنْ رَمَى كُلَّ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعٍ أَتَمَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْأُولَى وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَكَأَنَّهُ رَمَى الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بَعْدَ الْأُولَى، وَإِنْ اسْتَقْبَلَ رَمْيَهَا كَانَ أَفْضَلَ لِيَكُونَ إتْيَانُهُ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فَإِذَا فِي يَدِهِ أَرْبَعُ حَصَيَاتٍ لَا يَدْرِي مِنْ أَيَّتِهِنَّ هِيَ يَرْمِيهِنَّ عَنْ الْأُولَى، وَيَسْتَقْبِلُ الْجَمْرَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِنْ الْأُولَى فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَوْ كُنَّ ثَلَاثًا أَعَادَ عَلَى كُلِّ جَمْرَةٍ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَتْ حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ أَعَادَ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَيُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ رَمَى كُلَّ وَاحِدَةٍ بِأَكْثَرِهَا فَوَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ مَسْنُونًا اهـ مَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْخِلَافِ وَفِي اخْتِيَارِ السُّنِّيَّةِ

وَاعْتَمَدَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ، وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِي الرَّمْيِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ إنْ مَكَثْتَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَيْن النَّفْرِ وَالْإِقَامَةِ لِلرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَالْإِقَامَةُ أَفْضَلُ اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ وَأَنَّ الْإِقَامَةَ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الرَّابِعِ مُوجِبَةٌ لِلرَّمْيِ فِيهِ وَبِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: ٢٠٣] وَهُوَ كَالْمُسَافِرِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ، وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَقِفْ عِنْدَ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فِي بَحْثِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَاجِعْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُوَ اللَّهَ بِحَاجَتِهِ وَيَجْعَلَ بَاطِنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ فِي رَفْعِ يَدِهِ، وَأَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأَبَوَيْهِ وَأَقَارِبِهِ وَمَعَارِفِهِ لِلْحَدِيثِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ يُوضَعُ فِي يَدِهِ وَيُرْمَى بِهَا أَوْ يَرْمِي عَنْهُ غَيْرُهُ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ

وَلَوْ رَمَى بِحَصَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِنَفْسِهِ وَالْأُخْرَى لِلْآخَرِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَظَهَرَ بِهَذَا إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَبِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ أَيْ الرَّابِعِ يَفُوتُ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، وَلَوْ لَمْ يَرْمِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ رَمَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ أَيْ الْآتِيَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِعُذْرٍ، وَلَوْ رَمَى لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ عَنْ غَدِهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ فِي الْحَجِّ فِي حُكْمِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ لَا الْمُسْتَقْبَلَةِ أَيْ فَيَجُوزُ رَمْيُ يَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَيْلَةَ الثَّالِثَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا رَمْيُ يَوْمِ الثَّالِثِ وَلَوْ لَمْ يَرْمِ فِي اللَّيْلِ رَمَاهُ فِي النَّهَارِ قَضَاءً وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَخَّرَ رَمْيَ الْأَيَّامِ كُلِّهَا إلَى الرَّابِعِ مَثَلًا قَضَاهَا كُلَّهَا فِيهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الرَّابِعِ فَاتَ وَقْتُ الْقَضَاءِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ أَيْ لَيْلَةُ الرَّابِعَ عَشَرَ تَابِعَةً لِمَا قَبْلَهَا لِيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ فِيهَا بِخِلَافِ اللَّيَالِي الَّتِي قَبْلَهَا اهـ.

مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ يَرْمِي فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي أَخَّرَ رَمْيَهُ وَكَانَ أَدَاءً؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى الْإِسَاءَةِ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي كَانَ قَضَاءً، وَلَزِمَهُ دَمٌ وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الْكُلَّ إلَى الرَّابِعِ فَإِذَا غَرَبَتْ شَمْسُ الرَّابِعِ وَلَمْ يَرْمِ سَقَطَ الرَّمْيُ وَلَزِمَهُ دَمٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُ الْأُخْرَيَيْنِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَهَذَا مُقَابِلٌ لِلْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِيَكُونَ إتْيَانُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، وَلِذَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ وَفِي اخْتِيَارِ السُّنَّةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ بَلْ فِي اخْتِيَارِ التَّعْيِينِ نَعَمْ قَالَ فِي الْفَتْحِ الَّذِي يَقَعُ عِنْدِي اسْتِنَانُ التَّرْتِيبِ لَا تَعْيِينُهُ بِخِلَافِ تَعْيِينِ الْأَيَّامِ وَالْفَرْقُ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُحَصِّلٍ اهـ.

أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّ صَرِيحَ كَلَامِ الْمُحِيطِ اخْتِيَارُ السُّنِّيَّةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَإِذَا كَانَ مَسْنُونًا إلَخْ وَقَرَّرَ كَلَامَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَقَلَ التَّعْيِينَ بِقَوْلِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا الْعِنْوَانُ كَالصَّرِيحِ فِي اخْتِيَارِ السُّنِّيَّةِ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ اخْتِيَارُ التَّعْيِينِ وَفِي اللُّبَابِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ قَالَ شَارِحُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَالْكَرْمَانِيُّ وَالْمُحِيطِ وَفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ.

(قَوْلُهُ لِمَنْ اتَّقَى) قَالَ فِي النَّهْرِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى اعْتِبَارِ حَاصِلِ الْمَعْنَى أَيْ هَذَا التَّخْيِيرِ، وَنَفْي الْإِثْمِ عَنْهُمَا لِلْمُتَّقِي لِئَلَّا يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُوجِبُ إثْمًا فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَقَالَ الثَّانِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ اهـ.

قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>