للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَازَ، وَيُكْرَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ الْجَمَاعَةَ مَعَ الْإِمَامِ بِمَسْجِدِ الْخَيْفِ وَيُكْثِرَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ أَمَامَ الْمَنَارَةِ عِنْدَ الْأَحْجَارِ اهـ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ تَرَكَتْ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِأَجْلِ الزِّحَامِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ فَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْ الرَّمْيَ لَهُ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَيْتَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ قَبْلَ الزَّوَالِ صَحَّ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اقْتِدَاءً بِابْنِ عَبَّاسٍ وَقِيَاسًا عَلَى التَّرْكِ وَقَالَا لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ قَيَّدَ بِالرَّابِعِ احْتِرَازًا عَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ اتِّفَاقًا لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَدَمِ الْمَعْقُولِ فَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ تَخْفِيفٍ فِيهَا بِتَجْوِيزِ التَّرْكِ بِالتَّقْدِيمِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا وَقْتُ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَّا أَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ وَمَا بَعْدَهُ مَسْنُونٌ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ الزَّوَالِ صَحِيحٌ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ.

(قَوْلُهُ وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَارْمِهِ مَاشِيًا وَإِلَّا فَرَاكِبًا) بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ وَاخْتِيَارٌ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: دَخَلْت عَلَى أَبِي يُوسُفَ فَوَجَدْته مُغْمَى عَلَيْهِ فَفَتَحَ عَيْنَهُ فَرَآنِي فَقَالَ يَا إبْرَاهِيمُ أَيُّمَا أَفْضَلُ لِلْحَاجِّ أَنْ يَرْمِيَ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا فَقُلْت رَاجِلًا فَخَطَّأَنِي ثُمَّ قُلْت رَاكِبًا فَخَطَّأَنِي ثُمَّ قَالَ مَا كَانَ يُوقَفُ عِنْدَهَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهَا رَاجِلًا وَمَا لَا يُوقَفُ عِنْدَهَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهَا رَاكِبًا قَالَ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَمَا بَلَغْتُ الْبَابَ حَتَّى سَمِعْتُ صُرَاخَ النِّسَاءِ أَنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ لَاشْتَغَلَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ حَالَةُ النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ اهـ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَعَلَى مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الرَّمْيَ كُلَّهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى مَا فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الرَّمْيَ كُلَّهُ مَاشِيًا أَفْضَلُ فَإِنْ رَكِبَ إلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ يَعْنِي عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ حَكَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَهُ فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّ أَدَاءَهَا مَاشِيًا أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ وَخُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالرُّكُوبِ بَيْنَهُمْ بِالزَّحْمَةِ وَرَمْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَاكِبًا إنَّمَا هُوَ لِيُظْهِرَ فِعْلَهُ لِيُقْتَدَى بِهِ كَطَوَافِهِ رَاكِبًا اهـ.

وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ مَاشِيًا أَفْضَلُ إلَّا فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ فَهُوَ رَاكِبًا أَفْضَلُ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ذَاهِبٌ إلَى مَكَّةَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، وَغَالِبُ النَّاسِ رَاكِبٌ فَلَا إيذَاءَ فِي رُكُوبِهِ مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الِاتِّبَاعِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ تُقَدِّمَ ثَقَلَك إلَى مَكَّةَ وَتُقِيمَ بِمِنًى لِلرَّمْيِ) لِأَثَرِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ قَبْلَ النَّفْرِ فَلَا حَجَّ لَهُ وَأَرَادَ نَفْيَ الْكَمَالِ، وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي الْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَالثَّقَلُ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَحَشَمُهُ وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ وَجَمْعُهُ أَثْقَالٌ.

وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُ أَمْتِعَتِهِ بِمَكَّةَ وَالذَّهَابُ إلَى عَرَفَاتٍ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا الْعِبَادَةُ الْمَقْصُودَةُ بِخِلَافِ الرَّمْيِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَيْهَا بِمَكَّةَ أَمَّا إنْ أَمِنَ فَلَا لِعَدَمِ شَغْلِ الْقَلْبِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى الْمُحَصَّبِ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَيْهِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ الْأَبْطَحُ مَوْضِعٌ ذَاتُ حَصًى بَيْنَ مِنًى وَمَكَّةَ، وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ مِنْهُ وَكَانَتْ الْكُفَّارُ اجْتَمَعُوا فِيهِ وَتَحَالَفُوا عَلَى إضْرَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ إرَاءَةً لَهُمْ لَطِيفَ صُنْعِ اللَّهِ بِهِ وَتَكْرِيمَهُ بِنُصْرَتِهِ فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً كَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ يَنْزِلُ بِالْمُحَصَّبِ فَإِنَّ الرَّوَاحَ إلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ النُّزُولَ فِيهِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَيَنْزِلُ بِالْمُحَصَّبِ سَاعَةً وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ اهـ.

فَحَاصِلُهُ أَنَّ النُّزُولَ بِهِ سَاعَةً مُحَصِّلٌ لِأَصْلِ السُّنَّةِ، وَأَمَّا الْكَمَالُ فَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ.

(قَوْلُهُ فَطُفْ لِلصَّدْرِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) وَلَهُ خَمْسَةُ أَسَامٍ مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يَصْدُرُ عَنْهُ أَيْ

ــ

[منحة الخالق]

وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ) نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ قَالَ وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ إذْ لَا يُؤَدَّبُ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ اهـ.

قَالَ شَيْخُنَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ خِلَافِ الْأَوْلَى هَذَا وَفِي السِّرَاجِ وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِهِ خَلْفَهُ، وَيُصَلِّي مِثْلَ النَّعْلِ وَشِبْهِهِ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ خَاطَرَهُ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا.

(قَوْلُهُ بَيْنَ مِنًى وَمَكَّةَ) وَحْدَهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلِ الَّذِي عِنْدَ مَقَابِرِ مَكَّةَ وَالْجَبَلِ الَّذِي يُقَابِلُهُ مُصْعِدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا عَنْ بَطْنِ الْوَادِي كَذَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الرَّوَاحَ إلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ النُّزُولَ فِيهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>