للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْ سَبْعَةٍ.

وَأَشَارَ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْبَدَنَةِ وَسُبُعِهَا إلَى أَنَّهُ دَمُ عِبَادَةٍ لَا دَمُ جِنَايَةٍ فَيَأْكُلُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي وَسَيَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مُرِيدًا لِلْقُرْبَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْقُرْبَةِ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُ السَّبْعَةِ لَحْمًا لِأَهْلِهِ لَا يُجْزِئُهُمْ.

وَاسْتَدَلَّ لَهُ بَعْضُ شَارِحِي الْمَصَابِيحِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْته وَشِرْكَهُ» وَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَلَوْ بَعَثَ الْقَارِنُ بِثَمَنِ هَدْيَيْنِ فَلَمْ يُوجَدْ بِذَلِكَ بِمَكَّةَ إلَّا هَدْيٌ وَاحِدٌ فَبِذَبْحِهِ لَا يَتَحَلَّلُ عَنْ الْإِحْرَامَيْنِ وَلَا عَنْ أَحَدِهِمَا اهـ.

مَحْمُولٌ عَلَى هَدْيِ الْإِحْصَارِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى ذَبْحِ دَمِ الشُّكْرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ: وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْبَقَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ وَالْجَزُورُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْقَارِنُ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَ نَفْسِهِ كَانَ أَفْضَلَ.

(قَوْلُهُ وَصَامَ الْعَاجِزُ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ وَسَبْعَةً إذَا فَرَغَ وَلَوْ بِمَكَّةَ) أَيْ صَامَ الْعَاجِزُ عَنْ الْهَدْيِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: ١٩٦] وَالْعِبْرَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ فِي الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ

ــ

[منحة الخالق]

لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهَا أَيْضًا بَلْ قَالَ ثُمَّ اذْبَحْ ثُمَّ احْلِقْ أَوْ قَصِّرْ وَالْحَلْقُ أَحَبُّ. (قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْبَدَنَةِ وَسُبُعِهَا إلَى أَنَّهُ دَمُ عِبَادَةٍ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ دَمَ جِنَايَةٍ لَمَا تَخَيَّرَ وَفِي أُضْحِيَّةِ الْوِقَايَةِ وَشَرْحِهَا لِلْقُهُسْتَانِيِّ كَبَقَرَةٍ ذَبَحَهَا ثَلَاثَةٌ عَنْ أُضْحِيَّةٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ سَبْعَةً عَنْ تِلْكَ وَعَنْ الْإِحْصَارِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ الْحَلْقِ وَالْعَقِيقَةِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الْأُصُولِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَلَوْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مُتَقَرِّبٌ جَازَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي النَّظْمِ اهـ، وَسَيَذْكُرُ فِي الْهَدْيِ يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي بَدَنَةٍ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ بِشَرْطِ إرَادَةِ الْكُلِّ الْقُرْبَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ مِنْ دَمِ مُتْعَةٍ وَإِحْصَارٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْبَقَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ) قَالَ فِي الشرنبلالية يُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَقَرَةِ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الشَّاةِ كَمَا هُوَ فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَصَامَ الْعَاجِزُ عَنْهُ) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْرِيفِ حَدِّ الْغَنِيِّ فِي بَابِ الْكَفَّارَاتِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ قُوتُ شَهْرٍ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَقَلُّ مِنْهُ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ، وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الصَّوْمُ إنْ كَانَ الطَّعَامُ الَّذِي عِنْدَهُ مِقْدَارُ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ قَدْرُ مَا يُشْتَرَى بِهِ مَا وَجَبَ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْعَامِلِ بِيَدِهِ أَيْ الْكَاسِبُ يُمْسِكُ قُوتَ يَوْمِهِ وَيُكَفِّرُ بِالْبَاقِي وَمَنْ لَا يَعْمَلُ يُمْسِكُ قُوتَ شَهْرٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ إلَّا أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَيْنَ الْمَنْصُوصِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَدَائِعِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ مَسْكَنِهِ وَكِسْوَتِهِ عَنْ الْكَفَافِ وَكَانَ الْفَضْلُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مُعْسِرًا وَبِبَلَدِهِ مُوسِرًا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ مَكَانَ الدَّمِ مَكَّةُ فَاعْتُبِرَ يَسَارُهُ وَإِعْسَارُهُ بِهَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ فِي الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ) ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ سَمَّاهَا بَدِيعَةَ الْهَدْيِ لِمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَذَكَرَ أَنَّ الْمُحَلَّلَ عَنْ الْإِحْرَامِ لِغَيْرِ الْمُحْصَرِ إنَّمَا هُوَ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَلِلْمُحْصَرِ ذَبْحُ الْهَدْيِ فِي مَحِلِّهِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْهَدْي وَجَبَ شُكْرًا عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ وَأَنَّهُ أَصْلٌ وَالصَّوْمُ خَلَفٌ عَنْهُ وَأَنَّ شَرْطَ بَدَلِيَّتِهِ تَقْدِيمُ الثَّلَاثَةِ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ حَقَّقَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِوُجُودِ الْهَدْيِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَأَنَّهُ لَا بَدَلِيَّةَ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْحَلْقِ حَتَّى يُقَالَ وُجُودُ الْهَدْيِ بَعْدَ الْحَلْقِ لَا يُعْتَبَرُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلَفِ وَهُوَ الْحَلْقُ كَمَا وَقَعَ فِي عِدَّةٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ إذْ لَا دَخْلَ لِلْحَلْقِ قَبْلَ وُجُودِهِ فِيهَا فَوُجُودُهُ فِيهَا يُبْطِلُ حُكْمَ الصَّوْمِ فَيَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ، وَإِنْ تَحَلَّلَ قَبْلَهُ لِمُوجِبِ إطْلَاقِ النَّصِّ وَلِقَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ الْعِبْرَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ وُجُودًا وَعَدَمًا لِلْهَدْيِ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ فِي خِلَال الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ وَسَقَطَ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ.

وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ تَأَدِّي الْحُكْمِ بِالْخَلَفِ بَطَلَ الْخَلَفُ اهـ.

فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ خَلَفٌ عَنْ الْهَدْيِ وَالْهَدْيُ لَا يُتَحَلَّلُ بِهِ وَلَا بِخَلَفِهِ بَلْ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ، وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ قَدْ حَصَلَ بِالْحَلْقِ فَوُجُودُ الْأَصْلِ بَعْدَهُ لَا يَنْقُضُ الْخَلَفَ اهـ.

فَفِيهِ تَدَافُعٌ وَتَقْيِيدٌ لِمُطْلَقِ الْكِتَابِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ أَصْلًا وَبِالْحَلْقِ خَلَفًا فَإِذَا وَجَدَ الْهَدْيَ لَا يَبْطُلُ خَلَفُهُ الَّذِي هُوَ الْحَلْقُ عَلَى كَلَامِهِ الْأَخِيرِ، وَالصَّوَابُ كَلَامُهُ الْأَوَّلُ ثُمَّ نَقَلَ نَحْوَهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهَا مَا فِي هَذَا الشَّرْحِ وَنَازَعَهُمْ بِمَا مَرَّ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ وُجُوبُ الْهَدْيِ بِوُجُودِهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ سَوَاءٌ حَلَقَ أَوْ لَا، وَأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْهَدْيُ إلَّا بِوُجُودِهِ بَعْدَهَا مُخَالِفًا لِمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْوَاجِبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>