للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَوْمَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ بَعْدَمَا أَكْمَلَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَيَحِلَّ وَهُوَ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ بَطَلَ صَوْمُهُ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْهَدْيِ وَلَوْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَمَا حَلَقَ وَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ صَحَّ صَوْمُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ الْهَدْيِ وَلَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَصَوْمُهُ مَاضٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَامَ فِي وَقْتِهِ مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ يَنْظُرُ فَإِنْ بَقِيَ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ الذَّبْحِ جَازَ لِلْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ وَقْتُ التَّحَلُّلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَوْلُهُ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ وَإِلَّا فَوَقْتُهُ وَقْتُ الْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَجِّ فِي الْآيَةِ وَقْتُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَفْضَلُ التَّأْخِيرَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْأَصْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إذَا فَرَغَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّجُوعِ فِي الْآيَةِ الْفَرَاغُ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ مَجَازًا إذْ الْفَرَاغُ سَبَبٌ لِلرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ، وَقَدْ عَمِلَ الشَّافِعِيُّ بِالْحَقِيقَةِ فَلَمْ يُجَوِّزْ صَوْمَهَا بِمَكَّةَ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى أَهْلَيْكُمْ» وَإِنَّمَا عَدَلَ أَئِمَّتُنَا عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ لِفَرْعٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ أَصْلًا لِيَرْجِعَ إلَيْهِ بَلْ مُسْتَمِرٌّ عَلَى السِّيَاحَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُهَا بِهَذَا النَّصِّ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ سِوَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأَعْمَالِ، وَكَذَا لَوْ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْإِقَامَةِ بِهَا حَتَّى تَحَقَّقَ رُجُوعُهُ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَتَّخِذَهَا وَطَنًا كَانَ لَهُ أَنْ يَصُومَ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَرَادَ بِالْفَرَاغِ الْفَرَاغَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ فَرْضًا وَوَاجِبًا وَهُوَ بِمُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْهَا يَوْمٌ لِلرَّمْيِ الْوَاجِبِ عَلَى مَنْ أَقَامَ بِهِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ صَامَ السَّبْعَةَ وَبَعْضَهَا مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلِمَا قَدَّمَهُ فِي بَحْثِ الصَّوْمِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ فِيهَا مُطْلَقًا فَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ هَاهُنَا.

(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَصُمْ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ تَعَيَّنَ الدَّمُ) أَيْ إنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ حَتَّى دَخَلَ يَوْمُ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ أَصْلًا، وَصَارَ الدَّمُ مُتَعَيِّنًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ وَالْأَبْدَالُ لَا تُنْصَبُ إلَّا شَرْعًا، وَالنَّصُّ خَصَّهُ بِوَقْتِ الْحَجِّ وَجَوَازُ الدَّمِ عَلَى الْأَصْلِ وَعَنْ ابْن عُمْر أَنَّهُ أَمَرَ فِي مِثْلِهِ بِذَبْحِ الشَّاةِ فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ تَحَلَّلَ وَعَلَيْهِ دَمَانِ

ــ

[منحة الخالق]

اتِّبَاعُ الْمَنْقُولِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الذَّبْحِ إبَاحَةُ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الذَّبْحِ جَعَلَ الصَّوْمَ خَلَفًا عَنْهُ فِي إبَاحَةِ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الذَّبْحِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَجَبَ الذَّبْحُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلَفِ فَبَطَلَ الْخَلَفُ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ قَبْلَ الصَّلَاةِ. أَمَّا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَلْقِ لَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ بِالْحَلْقِ وَحِينَئِذٍ فَحُصُولُ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الذَّبْحُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ لَا يَنْقُضُ الْخَلَفَ الَّذِي هُوَ الصَّوْمُ هَذَا مَعْنَى مَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ وَلَا فِي غَيْرِهِ جَعَلَ الْحَلْقَ خَلَفًا عَنْ الذَّبْحِ وَقَوْلُهُمْ الْعِبْرَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ يَعْنِي قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَامَ فِي وَقْتِهِ) اُنْظُرْ مَا هَذِهِ الدَّلَالَةِ وَمَا وَجْهُهَا وَلَيْسَ هَذَا فِي الْفَتْحِ بَلْ الَّذِي فِيهِ وَلَوْ صَامَ إلَخْ (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ آخِرَهَا يَوْمُ عَرَفَةَ أَنَّ صَوْمَهَا بَعْدَهُ لَا يَجُوزُ فَمَا فِي الْبَحْرِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.

وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ رَاجِعٌ إلَى تَأْخِيرِ الصَّوْمِ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ لَا إلَى كَوْنِهِ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ. اهـ.

قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَخْفَ عَلَى صَاحِبِ النَّهْرِ حَتَّى يُجَابَ عَنْ نَظَرِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى بَيَانِ مَا هُوَ الْأَهَمُّ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ التَّأْخِيرِ، وَيَكُونُ حِينَئِذٍ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ لَا عَلَى بَيَانِ الْأَفْضَلِ وَتَرْكِ الْأَهَمِّ كَمَا فَعَلَ الْمُؤَلِّف تَأَمَّلْ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِيَ فَإِنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ تَعَيَّنَ الدَّمُ صَرِيحٌ فِي بَيَانِ عَدَمِ جَوَازِ التَّأْخِيرِ فَلِذَا جَعَلَ الْمُؤَلِّفُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هُنَا آخِرَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ بَيَانًا لِلْأَفْضَلِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ) هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَمَتِّعِ أَمَّا الْقَارِنُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَصُومَهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا فِي الْقَارِنِ وَبَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِي الْمُتَمَتِّعِ اهـ.

لَكِنْ هَلْ يُشْتَرَطُ صَوْمُهَا فِي الْمُتَمَتِّعِ حَالَةَ وُجُودِ الْإِحْرَامِ أَمْ يَجُوزُ حَالَ كَوْنِهِ حَلَالًا أَيْ بَعْدَمَا أَحَلَّ مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِيهِ كَلَامٌ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي صَوْمِ الْقَارِنِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا إحْرَامَ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَقَطْ فَلَوْ صَامَ الْمُتَمَتِّعُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ جَازَ إلَّا أَنَّ وُجُودَ الْإِحْرَامِ حَالَةَ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ شَرْطٌ فِي جَوَازِ صَوْمِ الْقِرَانِ، وَأَمَّا صَوْمُ التَّمَتُّعِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فَفِي الْبَدَائِعِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ.

قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ سَوَاءٌ طَافَ لِعُمْرَتِهِ أَوْ لَمْ يَطُفْ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى لَكِنْ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْمُدَّعَى إذْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>