للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الْهَدْيِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ هُنَا، وَقَالَ فِيمَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْجِنَايَاتِ فَإِنْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ فَنَسَبَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى التَّخْلِيطِ لِكَوْنِهِ جَعَلَ أَحَدَ الدَّمَيْنِ هُنَا دَمَ الشُّكْرِ وَالْآخَرَ دَمَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ صَوَابٌ وَفِيمَا يَأْتِي أَثْبَتَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دَمَيْنِ آخَرَيْنِ سِوَى دَمِ الشُّكْرِ، وَنَسَبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ إلَى السَّهْوِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَا بَلْ كَلَامُهُ صَوَابٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَهُنَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ جَانِيًا بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ لِعَجْزِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَجْلِهِ دَمٌ وَلَزِمَهُ دَمٌ لِلْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَفِي بَابِ الْجِنَايَاتِ لَمَّا كَانَ جَانِيًا بِحَلْقِهِ قَبْلَ الذَّبْحِ لَزِمَهُ دَمَانِ كَمَا قَرَّرَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ دَمَ الشُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْقِرَانِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي الْجِنَايَةِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ بِأَزْيَدَ مِنْ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاؤُهَا) يَعْنِي إنْ لَمْ يَأْتِ الْقَارِنُ بِالْعُمْرَةِ حَتَّى أَتَى بِالْوُقُوفِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ فَعَدَمُ دُخُولِ مَكَّةَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَطُفْ لَهَا، وَالْمُرَادُ أَكْثَرُ أَشْوَاطِهِ حَتَّى لَوْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا لَهَا إذْ قَدْ أَتَى بِرُكْنِهَا وَلَمْ يَبْقَ إلَّا وَاجِبَاتُهَا مِنْ الْأَقَلِّ وَالسَّعْيِ، وَيَأْتِي بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ قَارِنٌ عَلَى حَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ الْأَقَلَّ ثُمَّ وَقَفَ فَإِنَّهُ كَالْعَدَمِ فَيَصِيرُ رَافِضًا، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الطَّوَافِ لِلْعُمْرَةِ عَدَمُ الطَّوَافِ أَصْلًا فَإِنَّهُ لَوْ طَافَ طَوَافًا مَا وَلَوْ قَصَدَ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ لِلْحَجِّ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَافِضًا لَهَا بِالْوُقُوفِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مِنْ جِنْسِ مَا هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ لَهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ طَافَ وَسَعَى لِلْحَجِّ ثُمَّ طَافَ وَسَعَى لِلْعُمْرَةِ كَانَ الْأَوَّلُ لَهَا وَالثَّانِي لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَنْ سَجَدَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَنْوِي سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ انْصَرَفَ إلَى سَجْدَةِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا وَقَعَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ قَبْلَ وَقْتِهِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَقُيِّدَ بِالْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رَافِضًا لَهَا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُصَلِّي الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا أَنَّ الْأَمْرَ هُنَاكَ بِالتَّوَجُّهِ مُتَوَجِّهٌ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ وَالتَّوَجُّهُ فِي الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ فَافْتَرَقَا وَأَطْلَقَ فِي رَفْضِهَا فَشَمِلَ مَا إذَا قَصَدَهُ أَوْ لَا، وَأَشَارَ بِهِ إلَى سُقُوطِ دَمِ الْقِرَانِ عَنْهُ لِعَدَمِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ دَمٌ لِرَفْضِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ تَحَلَّلَ بِغَيْرِ طَوَافٍ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ كَالْمُحْصِرِ وَوَجَبَ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ التَّمَتُّعِ)

أَخَّرَهُ فِي الْقِرَانِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُ رُتْبَةً كَمَا قَدَّمَهُ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْمَتَاعِ أَوْ الْمُتْعَةِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ

ــ

[منحة الخالق]

عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ وَكَذَا مَا فِي الْمَدَارِكِ وَشَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّ وَقْتَهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَعْدَ إحْرَامِ الْحَجِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بَعْدَهُ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ أَوْ الْمُتَعَيِّنُ اهـ. مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ بَلْ كَلَامُهُ صَوَابٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمُ الْقِرَانِ وَدَمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَدَمُ تَأْخِيرِ الذَّبْحِ، وَلَمَّا كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ لَمْ يَكُنْ جَانِيًا بِتَأْخِيرِهِ، وَإِنَّمَا الْجِنَايَةُ حَصَلَتْ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَلَزِمَهُ دَمٌ لَهُ وَدَمٌ لِلْقِرَانِ، وَأَمَّا مَا فِي الْجِنَايَاتِ فَهُوَ فِي غَيْرِ الْعَاجِزِ فَلَزِمَهُ دَمَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ دَمَ الشُّكْرِ لِذِكْرِهِ لَهُ هُنَا لَكِنَّ لُزُومَ الدَّمَيْنِ هُنَاكَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَسَاغَ حَمْلُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ عَلَيْهِ لِتَصْحِيحِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ الْخَطَإِ وَالسَّهْوِ هَذَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ جَانِيًا بِالتَّأْخِيرِ لَمْ يَكُنْ جَانِيًا أَيْضًا بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إلَّا دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عُذْرٌ، وَقَدْ نَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ مَا نَصُّهُ وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ الثَّلَاثَةَ لَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا الدَّمُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا حَلَّ وَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِإِحْلَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَرْكِ الصَّوْمِ. اهـ.

(قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَالطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ رَافِضًا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الْفَتْحِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ الرَّفْضُ بِالتَّوَجُّهِ وَالِارْتِفَاضُ بِالْوُقُوفِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَةَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ عَنْ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَطَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ هَلْ يَكُونُ قَارِنًا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ قَارِنًا كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْكُرَ الْجَمْعَ بَعْدَ ذِكْرِ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>