للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَبْسُوطِ مِنْ كَوْنِ الشَّارِبِ طَرَفًا مِنْ اللِّحْيَةِ هُوَ مَعَهَا عُضْوٌ وَاحِدٌ لَا أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى رُبْعِ اللِّحْيَةِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ الشَّارِبَ مَعَهَا فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَجِبُ رُبْعُ قِيمَةِ الشَّاةِ إذَا بَلَغَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الشَّارِبِ رُبْعَ الْمَجْمُوعِ مِنْ اللِّحْيَةِ مَعَ الشَّارِبِ لَا دُونَهُ. اهـ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ لُزُومُ الدَّمِ بِحَلْقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ يَفْعَلُهُ الصُّوفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ ظَنَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ تَعْبِيرِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُنَا بِالْأَخْذِ أَنَّ السُّنَّةَ قَصُّ الشَّارِبِ لَا حَلْقُهُ رَدًّا عَلَى الطَّحَاوِيِّ الْقَائِلِ بِسُنِّيَّةِ الْحَلْقِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَقْصِدْ هُنَا بَيَانَ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بَيَانَ حُكْمِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَلْقَ فِي الْإِبْطِ وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ سُنِّيَّةَ النَّتْفِ لَا الْحَلْقِ؛ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ أَعَمُّ مِنْ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ أَخْذٌ، وَلَيْسَ الْقَصُّ مُتَبَادِرًا مِنْ الْأَخْذِ وَالْوَارِدُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى» ، وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْقَطْعِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ حَصَلَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ غَيْرَ أَنَّهُ بِالْحَلْقِ بِالْمُوسَى أَيْسَرُ مِنْهُ بِالْقَصَّةِ فَلِذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْحَلْقُ أَحْسَنُ مِنْ الْقَصِّ، وَقَدْ يَكُونُ مِثْلَهُ بِسَبَبِ بَعْضِ الْآلَاتِ الْخَاصَّةِ بِقَصِّ الشَّارِبِ، وَأَمَّا ذِكْرُ الْقَصِّ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِئْصَالِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ السُّنَّةَ فِيهِ الْقَصُّ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ تَرْكُهَا حَتَّى تَكَثَّ وَتَكْثُرَ، وَالسُّنَّةُ قَدْرُ الْقَبْضَةِ فَمَا زَادَ قَطَعَهُ.

(قَوْلُهُ: وَفِي شَارِبِ حَلَالٍ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ طَعَامٌ) أَيْ يَجِبُ طَعَامٌ عَلَى مُحْرِمٍ أَخَذَ شَارِبَ حَلَالٍ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ؛ لِأَنَّ إزَالَتَهُ عَنْ غَيْرِهِ ارْتِفَاقٌ لَكِنَّهُ قَاصِرٌ فَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ إلَّا مِنْ عَنْ الشَّعْرِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ فِي وُجُوبِ الطَّعَامِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّدَقَةَ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالطَّعَامِ مَا يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَصَّ أَظَافِيرَ حَلَالٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الصَّدَقَةَ الَّتِي هِيَ نِصْفُ صَاعٍ الَّتِي هِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ الصَّدَقَةَ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ شَارِبَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَإِذَا حَلَقَ شَارِبَ غَيْرِهِ أَطْعَمَ مَا شَاءَ كِسْرَةً خُبْزًا، وَكَفًّا مِنْ طَعَامٍ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ، وَقَدْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِإِطْعَامِ شَيْءٍ جَوَابًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنَّهُ أَتَى بِمِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ فَقَالَ فِي الْمُحْرِمِ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِ الْحَلَالِ أَوْ يَقُصُّ مِنْ أَظْفَارِهِ: يُطْعِمُ مَا شَاءَ فَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِمَا شَاءَ الْعُمُومَ. اهـ.

وَأَشَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى جَوَابِهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْأَصْلِ وَكَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ رَأْسَ حَلَالٍ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، وَإِذَا حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَأَنَّ الْجَوَابَ فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ كَالْجَوَابِ فِي الْحَلْقِ. اهـ.

فَقَوْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَصَّ أَظَافِيرَ حَلَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ الْمُعَيَّنَةُ نَصًّا مُعَارَضٌ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ التَّصَدُّقِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: رَدًّا عَلَى الطَّحَاوِيِّ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: الْقَصُّ حَسَنٌ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَقُصَّ حَتَّى يَنْتَقِصَ عَنْ الْإِطَارِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مُلْتَقَى الْجِلْدَةِ وَاللَّحْمِ مِنْ الشَّفَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَنْ يُحَاذِيَهُ ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْحَلْقُ أَحْسَنُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّ السُّنَّةَ الْقَصُّ. اهـ.

كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ أَخْذٌ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاَلَّذِي لَيْسَ أَخْذًا هُوَ النَّتْفُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْقَطْعِ) قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي وَالْمُرَادُ بِالْإِحْفَاءِ هُنَا قَطْعُ مَا طَالَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ حَتَّى تَبْدُوَ الشَّفَةُ الْعُلْيَا لَا الْقَصُّ مِنْ أَصْلِهِ فَالْمَعْنَى بَالَغُوا فِي قَصِّ مَا طَالَ مِنْ الشَّوَارِبِ حَتَّى يَبِينَ طَرَفُ الشَّفَةِ الْعُلْيَا بَيَانًا ظَاهِرًا وَيُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِقَصِّ الْجِهَةِ الْيُمْنَى مِنْ الشَّارِبِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقُصُّ طَرَفَاهُ أَيْضًا، وَهُمَا الْمُسَمَّيَانِ بِالسِّبَالَيْنِ أَمْ يَتْرُكُهُمَا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ قِيلَ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ كُرِهَ بَقَاءُ السِّبَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ بَلْ بِالْمَجُوسِ، وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَجُوسَ فَقَالَ: إنَّهُمْ يُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ فَخَالِفُوهُمْ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجُزُّ كَمَا تُجَزُّ الشَّاةُ أَوْ الْبَعِيرُ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَأَمَّا الشَّارِبُ فَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَاخْتُلِفَ فِي جَانِبَيْهِ، وَهُمَا السِّبَالَانِ فَقِيلَ هُمَا مِنْ الشَّارِبِ فَيُشْرَعُ قَصُّهُمَا مَعَهُ، وَقِيلَ هُمَا مِنْ جُمْلَةِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ. اهـ.

فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ بِشَيْءٍ يَذْهَبُ إلَى الثَّانِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ تَرْكُهَا إلَخْ) قَالَ: فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي إعْفَاءِ اللِّحَى مَا هُوَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَرْكُهَا حَتَّى تَطُولَ فَذَاكَ إعْفَاؤُهَا مِنْ غَيْرِ قَصٍّ، وَلَا قَصْرٍ، وَقَالَ: أَصْحَابُنَا الْإِعْفَاءُ تَرْكُهَا حَتَّى تَكَثَّ وَتَكْثُرَ وَالْقَصُّ سُنَّةٌ فِيهَا، وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ الرَّجُلُ لِحْيَتَهُ فَمَا زَادَ مِنْهَا عَلَى قَبْضَةٍ قَطَعَهَا كَذَلِكَ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ وَذَكَرَ هُنَالِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ قَدْرُ الْقَبْضَةِ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْعَوَارِضِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>