للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشَيْءٍ، وَهُوَ يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِمَا إذَا حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ فَحِينَئِذٍ الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ مَا يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ كُلِّهَا وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَلَالِ لِيُخْرِجَ مَا إذَا قَصَّ الْمُحْرِمُ أَظَافِيرَ مُحْرِمٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا حَلَقَ شَارِبَ غَيْرِهِ مُحْرِمًا كَانَ أَوْ حَلَالًا فَإِنَّهُ يُطْعِمُ مَا شَاءَ فَلَيْسَ الْحَلَالُ قَيْدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّارِبِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا مَضَى كَالْحَالِقِ فِيهِ اشْتِبَاهٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَلَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إطْعَامُ شَيْءٍ لَا الصَّدَقَةُ الْمُعَيَّنَةُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِمَجْلِسٍ أَوْ يَدًا أَوْ رِجْلًا، وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى طِيبِ أَوَّلِ الْبَابِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ بِالْقَصِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ، وَإِزَالَةِ مَا يَنْمُو مِنْ الْبَدَنِ فَإِذَا قَلَّمَهَا كُلَّهَا فَهُوَ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ، وَكَذَا إذَا قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا إقَامَةً لِلرُّبْعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ، وَإِنْ لَمْ يَقُصَّ يَدًا كَامِلَةً، وَلَا رِجْلًا كَامِلَةً فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِتَقَاصُرِ الْجِنَايَةِ قُيِّدَ بِالْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَصَّ الْكُلَّ فِي مَجَالِسَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ عُضْوٌ لَزِمَهُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلْأُولَى أَوْ لَا، وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ، وَقَيَّدَ التَّدَاخُلَ بِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَلَّمَ أَظَافِيرَ يَدِهِ وَحَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ وَطَيَّبَ عُضْوًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ جِنَايَةٍ دَمٌ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ اخْتَلَفَ اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَحَلِّ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَّحِدًا إذَا حَلَقَ الرَّأْسَ فِي أَرْبَعِ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ اتِّفَاقًا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ اخْتَلَفَ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا كَفَّارَةً فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ كَمَا إذَا أَفْسَدَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ تَتَعَدَّدُ إنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ فَالْغَالِبُ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَهَذِهِ شُرِعَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ، وَفِي قَوْلِهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ اشْتِبَاهٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي أَنْ يَلْزَمَهُ صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَقُصَّ يَدًا كَامِلَةً أَوْ رِجْلًا كَامِلَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ ظُفُرٍ قَصَّهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ حَتَّى لَوْ قَصَّ سِتَّةَ عَشَرَ ظُفُرًا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ أَرْبَعَةٌ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظُفُرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يَنْقُصُ مَا شَاءَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْخَمْسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ مَعَ أَنَّهَا فُهِمَتْ مِمَّا ذَكَرَهُ لِدَفْعِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمَنْقُولِ فِي الْمَجْمَعِ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْمُتَفَرِّقَةَ كَطَرَفٍ كَامِلٍ فَيَجِبُ دَمٌ فَأَفَادَ أَنَّ فِي كُلِّ ظُفُرٍ مِنْ الْخَمْسَةِ صَدَقَةً كَمَا قَرَّرْنَاهُ.

(قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ بِأَخْذِ ظُفُرٍ مُنْكَسِرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْمُو بَعْدَ الِانْكِسَارِ فَأَشْبَهَ الْيَابِسَ مِنْ أَشْجَارِ الْحَرَمِ قَيَّدَ بِالِانْكِسَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ أَذًى فِي كَفِّهِ فَقَصَّ أَظَافِيرَهُ فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ قَدْ انْكَسَرَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَأَخَذَهُ أَوْ كَانَ مُنْكَسِرًا قَبْلَهُ فَأَخَذَهُ بَعْدَهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَوْلَى مِمَّا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفُرُ الْمُحْرِمِ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَثْبُتُ فَأَخَذَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ الْمُحْرِمُ مِمَّا فِيهِ الدَّمُ عَيْنًا أَوْ الصَّدَقَةُ عَيْنًا فَعَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا عَتَقَ لَا فِي الْحَالِ، وَلَا يُبَدَّلُ بِالصَّوْمِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ ذَبَحَ شَاةً أَوْ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ عَلَى سِتَّةٍ أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] ، وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ، وَقَدْ فَسَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا ذَكَرْنَا وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْمَعْذُورِ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ الَّذِي أَذَاهُ هَوَامُّ رَأْسِهِ فَأُبِيحَ لَهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يُقَيِّدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ اشْتِبَاهٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَإِنَّمَا قَالَ: كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ مَعَ دُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ إيمَاءً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ نِصْفَ صَاعٍ فَقَطْ بَلْ كَمَا يَتَصَدَّقُ فِي قَصِّ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ أَنَّهَا عَنْ كُلِّ ظُفُرٍ نِصْفُ صَاعٍ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ. اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: بَلْ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ ظُفُرٍ قَصَّهُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ فِي بَحْثِ الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّيْدِ أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ تَجِبُ فِي الطَّوَافِ فَهِيَ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ أَوْ فِي الرَّمْيِ فَلِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ أَوْ فِي قَلْمِ الْأَظْفَارِ فَلِكُلِّ ظُفُرٍ أَوْ فِي الصَّيْدِ وَنَبَاتِ الْحَرَمِ فَعَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ يَنْقُصُ مَا شَاءَ) ، وَقِيلَ يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ صَاعٍ لُبَابٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ) أَيْ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِالْمُحْرِمِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُحْرِمِ يُفْهِمُ أَنْ لَا شَيْءَ بِأَخْذِ ظُفُرِ الْحَلَالِ بِالْأَوْلَى فَالْعِبَارَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ (قَوْلُهُ: مِمَّا فِيهِ الدَّمُ عَيْنًا أَوْ الصَّدَقَةُ عَيْنًا) قَيَّدَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَمَّا فِيهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>