للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّوْجُ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً انْعَكَسَ الْحُكْمُ. انْتَهَى. فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْجِمَاعِ وَبِالْعُذْرِ لَا يَنْعَدِمُ الْجِمَاعُ فَلَا يَنْعَدِمُ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا حُكْمُ الْفَسَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَشَمَلَ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ إنْ كَانَ الْمَجْلِسُ مُتَّحِدًا سَوَاءٌ كَانَ لِامْرَأَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفْضَ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْفَاسِدَةِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَعَ أَنَّ نِيَّةَ الرَّفْضِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْمَحْظُورَاتُ مُسْتَنِدَةً إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ كَانَتْ مُتَّحِدَةً فَكَفَاهُ دَمٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا نَصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَامَعَ النِّسَاءَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ، وَأَقَامَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ حَرَامًا وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ.

(قَوْلُهُ: وَيَمْضِي وَيَقْضِي، وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِيهِ) أَيْ وَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ بَعْدَ إفْسَادِهِ كَمَا يَمْضِي فِيهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مِنْ قَابِلٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْأَفْعَالَ مَعَ وَصْفِ الْفَسَادِ، وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا بِوَصْفِ الصِّحَّةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَيَجْتَنِبُ فِي الْفَاسِدَةِ مَا يَجْتَنِبُ فِي الْجَائِزَةِ، وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ أَهْلِ عَصْرِنَا أَنَّ الْحَجَّ إذَا فَسَدَ لَا يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْإِحْرَامَ

ــ

[منحة الخالق]

الْفَسَادَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْجِمَاعِ إذْ يَكُونُ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة يُنْظَرُ فِيهِ مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ تَحْلِيلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ بِنَحْوِ قَصِّ ظُفُرٍ وَبِالْجِمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُهُ ابْتِدَاءً. اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُنَا خُصُوصُ هَذَا الْمُجَامِعِ، وَهُوَ، وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْمَحْظُورَاتُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهِ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ لِمَا ذُكِرَ فَإِنَّ التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ فِي رَفْعِ الضَّمَانِ كَالْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَنْ تَأْوِيلٍ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا نَصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ اعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا نَوَى رَفْضَ الْإِحْرَامِ فَجَعَلَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالْجِمَاعِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ مُحْرِمًا وَيَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ مَا ارْتَكَبَ، وَلَوْ كُلَّ الْمَحْظُورَاتِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَاتِ إذَا لَمْ يَنْوِ الرَّفْضَ ثُمَّ نِيَّةُ الرَّفْضِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ لِجَهْلِهِ مَسْأَلَةَ عَدَمِ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ مِنْهُ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ مِنْهُ إذَا كَانَ شَاكًّا فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْ نَاسِيًا لَهَا.

(قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مِنْ قَابِلٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ عَمَّا إذَا فَسَدَ الْقَضَاءُ أَيْضًا أَيَجِبُ أَنْ يَقْضِيَهُ أَيْضًا فَقُلْت لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ، وَقِيَاسُ كَوْنِهِ إنَّمَا شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْزِمًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَالْمُرَادُ الْإِعَادَةُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ الَّتِي أَفْسَدَهَا أَوَّلًا، وَلَا يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ ثَانِيَةٌ عَنْ الَّتِي أَفْسَدَهَا ثَانِيًا، وَكَلَامُهُ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ ظَاهِرٌ، وَقَدْ نَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْمُبْتَغَى فَقَالَ: وَلَفْظُ الْمُبْتَغَى لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ قَابِلٍ يُرِيدُ قَضَاءَ تِلْكَ الْحَجَّةِ فَأَفْسَدَ حَجَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ أَفْسَدَ قَضَاءَ صَوْمِ رَمَضَانَ. اهـ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ إلَخْ فَفِيهِ غُمُوضٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْإِحْكَامُ وَالْإِتْقَانُ فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْأَدَاءَ كَمَا يُقَالُ قَضَيْت الدَّيْنَ أَيْ أَدَّيْته فَقَوْلُهُ وَالْمُرَادُ الْإِعَادَةُ يُخَالِفُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِعْلُ مِثْلِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ لِخَلَلِ غَيْرِ الْفَسَادِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا نَعَمْ يَتَأَتَّى عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَشْهُورِ لَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا فِعْلُ الشَّيْءِ ثَانِيًا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لِخَلَلٍ فِي فِعْلِهِ أَوَّلًا فَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ الْإِعَادَةُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى بَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْأَدَاءُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْكَمَالِ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْحَجِّ الصَّحِيحِ بَعْدَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ قَضَاءً مَجَازٌ قَالَ: الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ، وَهُوَ الْعُمْرُ فَهُوَ أَدَاءٌ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا. اهـ.

وَحَيْثُ كَانَ أَدَاءً عِنْدَنَا سَقَطَ السُّؤَالُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْأَوَّلَ لَغْوٌ فَإِنْ أَدَّاهُ صَحِيحًا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَإِلَّا فَلَا فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ صَحِيحًا فَمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْفَاسِدِ لَيْسَ حَجًّا غَيْرَ الْفَرْضِ بَلْ هُوَ الْفَرْضُ إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَمَا قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ أَصْلًا إذْ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا فِي وَقْتِهَا، وَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَدَّاهَا ثَانِيًا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ لُزُومَ صَلَاةٍ أُخْرَى قَضَاءً عَنْ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا، وَأَفْسَدَهَا، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُبْتَغَى مِنْ جَعْلِهِ نَظِيرَ مَا لَوْ أَفْسَدَ قَضَاءَ صَوْمِ رَمَضَانَ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاءُ يَوْمٍ وَاحِدٍ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَنَّ إلَخْ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ مَا يُقَوِّي هَذَا الظَّنَّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشَّمْسِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَيْ نَقَصَهُ نُقْصَانًا فَاحِشًا، وَلَمْ يُبْطِلْهُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ اللُّبَابِ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْفَسَادِ النَّقْصُ الْفَاحِشُ لَا الْبُطْلَانُ، وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يُزِيلُ بَعْضَ الْإِشْكَالَاتِ قُلْت مِنْ جُمْلَتِهَا الْمُضِيُّ فِي الْأَفْعَالِ لَكِنْ فِي عَدَمِ الْإِبْطَالِ أَيْضًا نَوْعٌ مِنْ الْإِشْكَالِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>