للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيَّامِ النَّحْرِ تَرَكَ وَاجِبًا فَيَلْزَمُهُ دَمٌ، وَكَذَا بِتَأْخِيرِ الرَّمْيِ عَنْ وَقْتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَمْ أَشْعُرْ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ، وَقَالَ آخَرُ نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» .

وَلَهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْمَكَانِ يُوجِبُ الدَّمَ فِيمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَكَذَا التَّأْخِيرُ عَنْ الزَّمَانِ قِيَاسًا وَالْجَامِعُ كَوْنُ التَّأْخِيرِ نُقْصَانًا وَالْمُرَادُ بِالْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ الْإِثْمُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَعُذْرُهُمْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَنَاسِكِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» يُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ.

قَالَ: فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ اعْلَمْ أَنَّ مَا يُفْعَلُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ الرَّمْيُ وَالنَّحْرُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ.

لِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَى الْحَلْقِ يَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَهُ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْمِعْرَاجِ فِي مَسْأَلَةِ حَلْقِ الْقَارِنِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَى الْحَلْقِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ لَزِمَهُ دَمٌ مُطْلَقًا، وَإِنْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ لَزِمَهُ دَمٌ إنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا لَا إنْ كَانَ مُفْرِدًا؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ ثَلَاثَةٌ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ، وَأَمَّا ذَبْحُهُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يَضُرُّهُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِتَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ قَيَّدَ بِحَلْقِ الْحَجِّ وَطَوَافِهِ؛ لِأَنَّ حَلْقَ الْعُمْرَةِ وَطَوَافَهَا لَيْسَا بِمُؤَقَّتَيْنِ بِالزَّمَانِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَأْخِيرِهِمَا شَيْءٌ، وَكَذَا طَوَافُ الصَّدْرِ، وَقَيَّدَ بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِتَأْخِيرِ السَّعْيِ شَيْءٌ لِعَدَمِ تَوْقِيتِهِ بِزَمَانٍ.

(قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ بِتَأْخِيرِ النُّسُكِ عَنْ مَكَانِهِ كَمَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلْقُ لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ» ، وَلَهُمَا الْقِيَاسُ عَلَى الذَّبْحِ وَبَعْضُ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَلَعَلَّهُمْ حَلَقُوا فِيهِ مَعَ أَنَّ الْمُحْصَرَ لَا حَلْقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَلْقَ يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ عَلَى عَكْسِهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي التَّوْقِيتِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ بِالدَّمِ أَمَّا لَا يَتَوَقَّتُ فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ بِالِاتِّفَاقِ.

(قَوْلُهُ: وَدَمَانِ لَوْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ الذَّبْحِ) أَيْ يَجِبُ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِتَقْدِيمِ الْقَارِنِ أَوْ الْمُتَمَتِّعِ الْحَلْقَ عَلَى الذَّبْحِ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ نَصَّ ضَابِطُ الْمَذْهَبِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الدَّمَيْنِ دَمُ الْقِرَانِ وَالْآخَرَ لِتَأْخِيرِ النُّسُكِ عَنْ وَقْتِهِ، وَأَنَّ عِنْدَهُمَا يَلْزَمُ دَمُ الْقِرَانِ فَقَطْ لَكِنْ وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ اشْتِبَاهٌ بِسَبَبِ ذِكْرِ الدَّمَيْنِ فِي بَابِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْعِبَارَاتِ أَنَّ الدَّمَيْنِ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ، وَإِلَّا كَانَ ذِكْرُ الدَّمِ الْوَاحِدِ كَافِيًا لِلْعِلْمِ بِدَمِ الْقِرَانِ مِنْ بَابِهِ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ

ــ

[منحة الخالق]

الْغُرُوبِ وَبَعْدَهُ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.

(قَوْلُهُ: أَوْ ابْنِ عَبَّاسٍ) أَتَى بِأَوْ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَهُوَ الْأَعْرَفُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَالطَّحَاوِيُّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ نَصَّ فِي الْمِعْرَاجِ إلَخْ) قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ ثُمَّ إلَى مَكَّةَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صِحَّةِ الطَّوَافِ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَوْ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَهُوَ فِعْلُهُ فِي يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ، وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عِنْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ فَسُنَّةٌ فَلَوْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ لُبَابٌ. اهـ.

وَبِالْأَوْلَى لَوْ طَافَ الْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَجِبُ بَعْدَ الرَّمْيِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الطَّوَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ فَبِالْأَوْلَى قَبْلَ الذَّبْحِ.

(قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي التَّضْمِينِ بِالدَّمِ لَا فِي التَّحَلُّلِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ فِي أَيِّ مَكَان أَوْ زَمَانٍ أَتَى بِهِ يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ بَلْ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ إذَا حَلَقَ فِي غَيْرِ مَا تَوَقَّتَ بِهِ يَلْزَمُ الدَّمُ عِنْدَ مَنْ وَقَّتَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُوَقِّتْهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَكِنْ وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ اشْتِبَاهٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا مَعْنَى لِلِاشْتِبَاهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا دَمُ الْقِرَانِ. اهـ.

وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَلَى الْحَلْقِ. اهـ.

يَعْنِي فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا اشْتِبَاهَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>