للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَلْقِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ شَيْءٌ. اهـ.

فَجُعِلَ الدَّمَيْنِ لِلْجِنَايَةِ فَنَسَبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى التَّخْبِيطِ، وَإِلَى التَّنَاقُضِ فَإِنَّهُ جَعَلَ فِي بَابِ الْقِرَانِ أَحَدَهُمَا لِلشُّكْرِ وَالْآخَرَ لِلْجِنَايَةِ وَنَسَبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى أَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ الْقَلَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَزِمَ فِي كُلِّ تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ دَمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ.

وَلَوَجَبَ فِي حَلْقِ الْقَارِنِ قَبْلَ الذَّبْحِ ثَلَاثَةَ دِمَاءٍ فِي تَفْرِيعِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ إحْرَامَ عُمْرَتِهِ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ، وَفِي تَفْرِيعِ مَنْ لَا يَرَاهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ خَمْسَةَ دِمَاءٍ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامَيْنِ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ جِنَايَتَانِ فَفِيهِمَا أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ وَدَمُ الْقِرَانِ. اهـ.

وَهَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَلَمْ أَرَ جَوَابًا عَنْهُ وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا تَخْبِيطَ، وَلَا سَهْوَ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِمَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ إجْمَاعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجِبُ دَمُ الْقِرَانِ إجْمَاعًا وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الدَّمِ الثَّالِثِ فَهَاهُنَا مَشَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ قَرِيبًا: وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَذَكَرَ مِنْهُ مَا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْهُمَا أَوْ مَعْنَاهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ، وَأَمَّا بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَيَقُولَانِ بِوُجُوبِ الدَّمِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الْعِنَايَةِ، وَأَمَّا التَّنَاقُضُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْقِرَانِ مِنْ لُزُومِ دَمٍ وَاحِدٍ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ كَمَا هُوَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يَكُنْ جَانِيًا بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَبَاحَ لَهُ التَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَقَطْ فَلَزِمَهُ دَمٌ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ لُزُومِ دَمَيْنِ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ جِنَايَةً؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ لَهُ قَبْلَ الذَّبْحِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَكَانَ جَانِيًا مُؤَخِّرًا فَلَزِمَهُ دَمَانِ، وَأَمَّا إلْزَامُ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ دَمَيْنِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَمْرَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فَمَمْنُوعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ قَبْلَ الذَّبْحِ لَا يَحِلُّ فَكَانَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الذَّبْحِ قَبْلَ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مَشْرُوعٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَامِلًا إذَا قَدَّمَهُ فَكَيْفَ يُوجِبُ دَمًا، وَلَيْسَ بِجِنَايَةٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ التَّقْدِيمِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَقَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَظَهَرَ لِي إلَخْ) شُرُوعٌ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَحَاصِلُ مَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنَّ فِي كَلَامِهِ خَلَلًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ مُخَالَفَتُهُ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الثَّانِي مُخَالَفَتُهُ لِمَا ذَكَرَ فِي بَابِ الْقِرَانِ الثَّالِثُ لُزُومُ خَمْسَةِ دِمَاءٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، الرَّابِعُ مُخَالَفَتُهُ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ وَسَيُشِيرُ إلَى هَذَا، وَقَدْ اسْتَوْفَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَجْوِبَةَ عَنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ، وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت مَا هُنَا لَمْ تَرَ فِي النَّهْرِ زِيَادَةً عَلَيْهِ بَلْ جَزَمْت بِالْعَكْسِ فَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا الْجَمْعُ لَا تَرَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ تَمَدُّحٌ بِنِعْمَةِ غَيْرِهِ نَعَمْ صَرَّحَ بِأَنَّ عَدَمَ مُطَابَقَةِ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِمَا فِي الْجَامِعِ إنَّمَا هُوَ عَلَى نَقْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ لَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الشَّهِيدِ، وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمِعْرَاجِ هُوَ هَذَا، وَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ هُوَ الصَّدْرُ.

(قَوْلُهُ: فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ) أَيْ لَا عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ رِوَايَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُ بَلْ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الصَّدْرِ وَفِي شَرْحِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْكَافِي بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ هَذَا الْبَعْضِ، وَمَنْ خَطَّأَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فَلِغَفْلَتِهِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الْعِنَايَةِ) أَيْ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ إلَى أَنْ قَالَ: وَالْحَلْقُ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَمِنْ أَنَّ ذَلِكَ يَأْبَى حَمْلَ كَلَامِهِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ بِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِوُجُوبِ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفَّارَةِ أَصْلًا وَبَيَانُ الِانْدِفَاعِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّهُ مَشَى فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَفِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَمَا قَدَّمَهُ قَبْلَهَا قَرِيبًا عَلَى أَصْلِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَوْ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا مَعْنَاهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ لَا الْجِنَايَةِ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمُثْبَتُ هُنَا دَمُ الْجِنَايَةِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهَذَا الْجَوَابُ عَنْ الْعِنَايَةِ.

وَالْجَوَابُ الْآتِي عَمَّا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَذْكُورَانِ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ جِنَايَةً) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ أَرَادَ بِهِ الْجِنَايَةَ عَلَى الْإِحْرَامِ لَا تَقْدِيمَ الْحَلْقِ عَلَى الذَّبْحِ يُفْصِحُ عَنْهُ مَا مَرَّ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ الْإِلْزَامِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِلْزَامُ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ دَمَيْنِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ دَمٌ بِتَقْدِيمِ الْحَلْقِ وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ لَزِمَ أَنْ يَجِبَ الدَّمَانِ فِي كُلِّ تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى آخَرَ لِوُجُودِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّك عَلِمْت أَنَّ مُرَادَ الْهِدَايَةِ بِوُجُوبِ الدَّمِ بِتَقْدِيمِ الْحَلْقِ وُجُوبُهُ بِالْجِنَايَةِ لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ تَقْدِيمٌ وَالذَّبْحُ قَبْلَ الرَّمْيِ مَشْرُوعٌ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ جِنَايَةً فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ كُلَّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَصْلًا نَعَمْ الذَّبْحُ الَّذِي هُوَ نُسُكٌ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الرَّمْيِ فَإِذَا قَدَّمَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَامِلًا فَيَجِبُ الدَّمُ بِاعْتِبَارِ تَقْدِيمِهِ مُرَادًا بِهِ النُّسُكَ لَا بِكَوْنِهِ نَفْسِهِ جِنَايَةً (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَامِلًا إذَا قَدَّمَهُ) كَذَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ، وَفِي غَيْرِهَا مِنْ النُّسَخِ

<<  <  ج: ص:  >  >>