للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتِّمْسَاحُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْمَائِيُّ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَالْبَرِّيُّ حَرَامٌ عَلَيْهِ لِلْآيَةِ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] ، وَهُوَ بِعُمُومِهِ مُتَنَاوِلٌ لِمَا يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ فَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُ الْكُلِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا، وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا مَا يُؤْكَلُ، وَهُوَ السَّمَكُ خَاصَّةً فَالْمُرَادُ بِالصَّيْدِ فِي الْمُخْتَصَرِ صَيْدُ الْبَرِّ إلَّا مَا يَسْتَثْنِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الذِّئْبِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَبَقِيَّةِ السِّبَاعِ أَمَّا الذِّئْبُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ فَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِهَا أَصْلًا، وَأَمَّا بَقِيَّةُ السِّبَاعِ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ هُنَا يَشْمَلُهَا، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْفَوَاسِقِ فَلَيْسَتْ بِصُيُودٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهَا، وَأَطْلَقَ فِي الصَّيْدِ فَشَمَلَ مَا يُؤْكَلُ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ حَتَّى الْخِنْزِيرَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِيهِ طَيْرُ الْبَحْرِ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ مَبِيضَهُ، وَمَفْرَخَهُ فِي الْمَاءِ وَيَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَكَانَ صَيْدُ الْبَرِّ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ.

وَشَمَلَ الصَّيْدُ الْمَمْلُوكَ وَغَيْرَهُ فَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَزِمَهُ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهِ وَجَزَاؤُهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ، وَأَطْلَقَ فِي الْقَتْلِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ عَنْ اضْطِرَارٍ أَوْ اخْتِيَارٍ كَمَا سِيَاتِي وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مُبَاشَرَةً أَوْ بِتَسَبُّبٍ لَكِنْ فِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَدِّي فَلَوْ انْقَلَبَ نَائِمٌ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا التَّسَبُّبُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدِّي فَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلصَّيْدِ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِلصَّيْدِ فَعَطِبَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَلَوْ نَصَبَ فُسْطَاطًا لِنَفْسِهِ فَتَعَقَّلَ بِهِ فَمَاتَ أَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً لِلْمَاءِ أَوْ لِحَيَوَانٍ مُبَاحٍ قَتَلَهُ كَالذِّئْبِ فَعَطِبَ فِيهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى حَيَوَانٍ مُبَاحٍ فَأَخَذَ مَا يَحْرُمُ أَوْ أَرْسَلَ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، وَهُوَ حَلَالٌ فَجَاوَزَ إلَى الْحَرَمِ فَقَتَلَ صَيْدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي السَّبَبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى إلَى فَهْدٍ فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّعَدِّي حَتَّى لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَتَعَدَّى إلَى آخَرَ فَقَتَلَهُمَا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا. وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ بِالسَّهْمِ فَوَقَعَ عَلَى بَيْضٍ أَوْ فَرْخٍ فَأَتْلَفَهُمَا ضَمِنَهُمَا، وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ أَرْبَعَةً نَزَلُوا بَيْتًا بِمَكَّةَ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى مِنًى فَأَمَرُوا أَحَدَهُمْ أَنْ يُغْلِقَ الْبَابَ، وَفِيهِ حَمَامٌ وَغَيْرُهَا فَلَمَّا رَجَعُوا وَجَدُوهَا مَاتَتْ عَطَشًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْآمِرِينَ جَمْعُ آمِرٍ تَسَبَّبُوا بِالْأَمْرِ، وَالْمُغْلِقُ بِالْإِغْلَاقِ. انْتَهَى.

مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عَلِمُوا بِالطُّيُورِ فِي الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ تَعَدِّيًا إلَّا بِهِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ لِفَقْدِ شَرْطِ التَّسَبُّبِ، وَأَرَادَ بِالدَّلَالَةِ الْإِعَانَةَ عَلَى قَتْلِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ دَلَالَةً حَقِيقِيَّةً بِالْإِعْلَامِ بِمَكَانِهِ، وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ لَا وَشَرَطُوا فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الدَّالِّ الْمُحْرِمِ خَمْسَةَ شُرُوطٍ

ــ

[منحة الخالق]

بَعْضِهَا مُسْتَأْنَسَةً كَالْجُمُوسِ فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ مُسْتَوْحِشٌ، وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنَسٌ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَهُ صَرِيحًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ صَيْدًا حَتَّى يَحْرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ صَيْدُهُ مَا دَامَ فِي بِلَادِهِمْ. (قَوْلُهُ: لِلْآيَةِ) قَالَ: فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ لَوْ وُجِدَ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ يَحِلُّ صَيْدُهُ أَيْضًا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِشُمُولِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَحْرُ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ الْمُحِيطِ طَيْرُ الْبَحْرِ إلَخْ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّوَالُدُ لَا الْمَثْوَى لَكِنْ رَأَيْت فِي اللُّبَابِ مَا نَصُّهُ، وَأَمَّا طُيُورُ الْبَحْرِ فَلَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهَا؛ لِأَنَّ تَوَالُدَهَا فِي الْبَرِّ قَالَ شَارِحُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الْقَتْلِ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَيَسْتَوِي فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَامِدُ وَالنَّاسِي وَالْخَاطِئُ وَالسَّاهِي وَالطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ وَالْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ وَالنَّائِمُ وَالْيَقْظَانُ وَالصَّاحِي وَالسَّكْرَانُ وَالْمُفِيقُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُبَاشَرَةُ بِالنَّفْسِ أَوْ بِالْغَيْرِ فَلَوْ أَلْبَسَهُ أَحَدٌ أَوْ طَيَّبَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ لَا فَعَلَى الْمَفْعُولِ الْجَزَاءُ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ لَا. اهـ.

وَفِيهِ أَيْضًا: وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مِنْهَا الْإِسْلَامُ فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ، وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ، وَمَجْنُونٍ إلَّا إذَا جُنَّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ مَا ارْتَكَبَهُ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا عَلَى كَافِرٍ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَيَجِبُ عَلَى الْمَمْلُوكِ الصَّوْمُ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا الدَّمُ وَالصَّدَقَةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَمِنْهَا الْقُدْرَةُ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ فَضْلُ مَالٍ عَلَى كِفَايَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ الطَّعَامُ أَوْ الدَّمُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلُ مَالٍ، وَلَكِنْ فِي مِلْكِهِ عَيْنُ الْوَاجِبِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ دَمٍ صَالِحٍ لِلتَّكْفِيرِ فَإِذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقُدْرَةِ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَا وَقْتُ الْوُجُوبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالدَّلَالَةِ الْإِعَانَةَ عَلَى قَتْلِهِ) لَعَلَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى هَذَا مَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ «أَوْ أَعَنْتُمْ» ، وَإِلَّا لَوْ أُرِيدَ بِالدَّلَالَةِ حَقِيقَتُهَا لَمْ يَشْمَلْ غَيْرَهَا وَسَيَأْتِي تَرْجِيحُ وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِإِعَارَةِ سِكِّينٍ وَنَحْوِهَا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَدَخَلَ فِي الدَّلَالَةِ الْإِشَارَةُ أَيْضًا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الدَّالِّ الْمُحْرِمِ) قَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّالُّ حَلَالًا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَالْحِلِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لُبَابٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَفِي الْغَايَةِ عَنْ الْخِزَانَةِ لَوْ دَلَّ حَلَالٌ حَلَالًا عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَعَلَى الدَّالِّ نِصْفُهَا، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ. اهـ.

وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ الْكُتُبِ عَدَمُ لُزُومِ

<<  <  ج: ص:  >  >>