للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ آثِمًا مُطْلَقًا أَنْ يَتَّصِلَ الْقَتْلُ بِدَلَالَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ لَوْ لَمْ يَقْتُلْ الْمَدْلُولَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ، وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي الدَّلَالَةِ، وَأَنْ يَبْقَى الدَّالُّ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ الْمَدْلُولُ، وَأَنْ لَا يَنْفَلِتَ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَلَتَ صَارَ كَأَنَّهُ جَرَحَهُ ثُمَّ انْدَمَلَ فَتَفَرَّعَ عَلَى الشَّرْطِ الثَّالِثِ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ أَخْبَرَ الْمُحْرِمُ بِالصَّيْدِ فَلَمْ يَرَهُ حَتَّى أَخْبَرَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَإِنْ كَذَّبَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ، وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ بِخَبَرِ الْأَوَّلِ وَقَعَ الْعِلْمُ بِمَكَانِ الصَّيْدِ غَالِبًا وَبِالثَّانِي اسْتَفَادَ عِلْمَ الْيَقِينِ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ عَلَى الصَّيْدِ، وَإِنْ أَرْسَلَ مُحْرِمٌ إلَى مُحْرِمٍ فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك أَنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ صَيْدًا فَذَهَبَ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الرَّسُولِ وَالْمُرْسِلِ وَالْقَاتِلِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ وُجِدَتْ مِنْهُمَا وَظَهَرَ بِالشَّرْطِ الثَّانِي ضَعْفُ مَا فِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: خُذْ أَحَدَ هَذَيْنِ، وَهُوَ يَرَاهُمَا فَقَتَلَهُمَا كَانَ عَلَى الدَّالِّ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُمَا فَعَلَيْهِ جَزَاءَانِ. اهـ.

لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَرَاهُمَا كَانَ عَالِمًا بِمَكَانِهِمَا، وَقَدْ شَرَطَ وَأُعْدِمَ الْعِلْمُ بِمَكَانِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرُوا هُنَا الْإِشَارَةَ كَمَا ذَكَرُوهَا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْحَاضِرِ وَشَرْطُ وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمَكَانِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَالدَّلَالَةَ سَوَاءٌ فِي مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْهُمَا لَكِنَّ الدَّلَالَةَ مُوجِبَةٌ لِلْجَزَاءِ بِشُرُوطِهَا وَالْإِشَارَةُ لَا تُوجِبُ الْجَزَاءَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَمْرَ بِالْأَخْذِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ فَيُوجِبُ الْجَزَاءَ مُطْلَقًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ لَوْ أَمَرَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ بِأَخْذِ صَيْدٍ فَأَمَرَ الْمَأْمُورُ آخَرَ فَالْجَزَاءُ عَلَى الْآمِرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِرْ بِالْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَلَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ، وَأَمَرَهُ فَأَمَرَ الثَّانِي ثَالِثًا بِالْقَتْلِ حَيْثُ يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا الْإِرْسَالُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ وَالْأَمْرِ مَعَ الدَّلَالَةِ.

وَدَخَلَ تَحْتَ الْإِعَانَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ مُحْرِمٌ رَأَى صَيْدًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَدَلَّهُ مُحْرِمٌ آخَرُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَيْهِ أَوْ رَأَى صَيْدًا دَخَلَ غَارًا فَلَمْ يَعْرِفْ بَابَ الْغَارِ فَدَلَّهُ مُحْرِمٌ آخَرُ عَلَى بَابِهِ فَذَهَبَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حِينَ دَلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْبَابِ كَأَنَّهُ دَلَّهُ عَلَى الصَّيْدِ، وَكَذَلِكَ مُحْرِمٌ رَأَى صَيْدًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَرْمِيَهُ

ــ

[منحة الخالق]

شَيْءٍ عَلَى الدَّالِّ مُطْلَقًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ.

ثُمَّ قَالَ فِي اللُّبَابِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَدْلُولِ مُحَرَّمًا فَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ حَلَالًا فِي الْحِلِّ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَدْلُولِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ آثِمًا مُطْلَقًا) سَيَأْتِي عَنْ النَّهْرِ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الْإِثْمِ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْمُحْرِمُ بِهِ يَعْنِي الْمَدْلُولَ (قَوْلُهُ: أَنْ يَتَّصِلَ الْقَتْلُ بِدَلَالَتِهِ) أَيْ يَتَحَصَّلَ بِسَبَبِهَا شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَنْفَلِتَ الصَّيْدُ) فَلَوْ انْفَلَتَ ثُمَّ أَخَذَهُ لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لُبَابٌ (قَوْلُهُ: فَتَفَرَّعَ عَلَى الشَّرْطِ الثَّالِثِ مَا فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) ظَهَرَ مِنْ هَذَا التَّفْرِيعِ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى التَّصْدِيقِ أَنْ يَقُولَ لَهُ صَدَقْت بَلْ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ) بِأَنْ أَخْبَرَهُ فَلَمْ يَرَهُ كَذَا فِي اللُّبَابِ قَالَ: شَارِحُهُ أَيْ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ إخْبَارَهُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُشَاهَدًا ظَاهِرًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ، وَلَا أَنْ يُكَذِّبَهُ (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَالدَّلَالَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدَّمْنَا فِي الْإِحْرَامِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ إنَّمَا يَحْرُمُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحْرِمُ لَا إنْ عَلِمَ، هُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ يَحْرُمُ مُطْلَقًا، وَعُلِمَ مِنْهُ ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْإِشَارَةِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ اتِّفَاقًا فَيَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِهَا بَلْ هِيَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ قَالَ: لَوْ دَلَّ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْمَدْلُولُ يَرَى الصَّيْدَ أَوْ يَعْلَمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ، وَإِشَارَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ، وَإِنْ رَآهُ بِدَلَالَتِهِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَفِي السِّرَاجِ لَوْ أَشَارَ الْمُحْرِمُ لِرَجُلٍ إلَى صَيْدٍ فَقَالَ: خُذْ ذَلِكَ الصَّيْدَ فَأَخَذَهُ وَصَيْدًا كَانَ مَعَهُ فِي الْوَكْرِ فَعَلَى الْآمِرِ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَقَوْلُهُ إنَّ الْإِشَارَةَ لَا شَيْءَ فِيهَا، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهَا مَمْنُوعٌ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ، وَعِلْمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ قَبْلَهَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ.

وَالشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الدَّلَالَةِ يَنْبَغِي أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِيهَا بِالْأَوْلَى إذْ لَا مَعْنَى لِتَكْذِيبِهِ مَعَ رُؤْيَتِهِ لَهُ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِهِمْ صَرِيحًا إلَّا أَنَّ النَّظَرَ الصَّحِيحُ يَقْتَضِيهِ. اهـ.

قُلْتُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَرَادَ بِالدَّلَالَةِ الْإِعَانَةَ عَلَى قَتْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ دَلَالَةً حَقِيقَةً بِالْإِعْلَامِ بِمَكَانِهِ، وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ لَا فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلَالَةِ مَا يَعُمُّ الْإِشَارَةَ فَإِنَّ أَصْلَ الدَّلَالَةِ فِي الْغَائِبِ وَالْإِشَارَةَ فِي الْحَاضِرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ هُنَاكَ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ مَا نَصُّهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ الدَّلَالَةِ يُغْنِي عَنْ الْإِشَارَةِ، وَقَدْ تُخَصُّ الْإِشَارَةُ بِالْحَضْرَةِ وَالدَّلَالَةُ بِالْغَيْبَةِ. اهـ.

وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدَّلَالَةَ بِالْحَضْرَةِ حَقِيقَةً أَيْضًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ أَوَّلًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحُرْمَةِ عَلَى لُزُومِ الْجَزَاءِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَقَدَ أَحَدَ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ يَبْقَى الْإِثْمُ مَعَ عَدَمِ الْجَزَاءِ، وَكَذَا الرَّفَثُ مَحْظُورٌ مَعَ عَدَمِ الْجَزَاءِ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ الْأَمْرُ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ فَقَدْ عَلَّلَ فِي السِّرَاجِ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ كَوْنِ الْجَزَاءِ فِي الْأَمْرِ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ بِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقَتْلِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالدَّلَالَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا مَا أُمِرَ بِهِ. اهـ.

فَجُعِلَ الْأَمْرُ الثَّانِي دَلَالَةً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ فَكَأَنَّهُ كَذَّبَهُ، وَإِنَّمَا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ فِي الثَّانِيَةِ بِاعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ لَا الْأَمْرُ لِعَدَمِ امْتِثَالِهِ إيَّاهُ فَلَمْ يَبْقَ ثَمَّةَ إلَّا دَلَالَةٌ تَعَدَّدَتْ وَالْأَمْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>