للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَحْلِيلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْ يَنْهَاهَا وَيَصْنَعَ بِهَا أَدْنَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ، وَلَا يَكُونُ التَّحْلِيلُ بِالنَّهْيِ، وَلَا بِقَوْلِهِ قَدْ حَلَلْتُكِ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ شُرِعَ بِالْفِعْلِ دُونَ الْقَوْلِ. اهـ.

بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ، وَإِنْ رَفَضَ أَحَدَهُمَا بِشُرُوعِهِ فِي الْأَعْمَالِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ غَيْرِ تَحْلِيلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُضِيُّ فِيهِمَا، وَهُنَا يُمْكِنُ الْمُضِيُّ فِيهِمَا فَإِنَّهُ إنْ مَضَى عَلَيْهِمَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ النَّقْصُ فِي عَمَلِهِ لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَهُوَ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ دَمُ جَبْرٍ، وَفِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ دَمُ شُكْرٍ، وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ، وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ، وَعُمْرَةٌ وَدَمٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ، وَأَمَّا فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ فَمُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَحُجَّ مِنْ سَنَتِهِ أَمَّا إذَا حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ فَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ، وَإِذَا حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ فَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ كَالْمُحْصَرِ إذَا تَحَلَّلَ ثُمَّ حَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَا تَجِبُ الْعُمْرَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الزَّيْلَعِيِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ أَبْدَلَ الْعُمْرَةَ بِالدَّمِ فَقَالَ: إذَا حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَالرَّفْضُ التَّرْكُ، وَهُوَ مِنْ بَابَيْ طَلَبَ وَضَرَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ بِآخَرَ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنْ حَلَقَ فِي الْأَوَّلِ لَزِمَهُ الْآخَرُ، وَلَا دَمَ، وَإِلَّا لَزِمَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ قَصَّرَ أَوْ لَا، وَمَنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَّا التَّقْصِيرَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى لَزِمَهُ دَمٌ) بَيَانٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ لِشَيْئَيْنِ مُتَّحِدَيْنِ وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَأَفْرَطَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَقَالَ: إنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ لِحَجَّتَيْنِ أَوْ لِعُمْرَتَيْنِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. اهـ.

وَهُوَ سَهْوٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ لَا يُكْرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْعُمْرَةِ إنَّمَا كُرِهَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي الْحَجِّ لَا يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْأَدَاءِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُكْرَهُ. اهـ.

فَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ وَوَقَفَ بِعَرَفَاتٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِأُخْرَى يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ الثَّانِيَ إنَّمَا يُرْتَفَضُ لِتَعَذُّرِ الْأَدَاءِ، وَلَا تَعَذُّرَ هُنَا فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْصَرَفَ إلَى حَجَّةٍ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ فَإِنْ كَانَ الْإِحْرَامُ الثَّانِي بَعْدَ الْحَلْقِ لِلْأَوَّلِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالثَّانِيَةِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْأُولَى فَلَمْ يَكُنْ جَامِعًا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إنْ حَلَقَ لِلْأُولَى فَقَدْ جَنَى عَلَى إحْرَامِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ نُسُكًا فِي إحْرَامِ الْأُولَى، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ فَقَدْ أَخَّرَ النُّسُكَ عَنْ وَقْتِهِ، وَهُمَا يَخُصَّانِ الْوُجُوبَ بِمَا إذَا حَلَقَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ بِالتَّأْخِيرِ شَيْئًا وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقْصِيرِ فِي قَوْلِهِ قَصَّرَ أَوْ لَا الْحَلْقُ، وَإِنَّمَا اخْتَارَهُ اتِّبَاعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَوْ لِيَصِيرَ الْحُكْمُ جَارِيًا فِي الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ عَامٌّ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.

وَإِنَّمَا لَزِمَ الدَّمُ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ أَفْعَالِ الْأُولَى قَبْلَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْعُمْرَتَيْنِ دُونَ الْحَجَّتَيْنِ فَلِذَا فَرَّقَ فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَأَوْجَبَ فِي الْعُمْرَةِ دَمًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ، وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَهُ لَأَوْجَبَ دَمَيْنِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالثَّانِي قَبْلَ الْحَلْقِ لِلْأَوَّلِ دَمٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا وَدَمٌ لِلْجَمْعِ وَبِهِ قَالَ: بَعْضُ الْمَشَايِخِ اتِّبَاعًا لِرِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ اتِّبَاعٌ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ هَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ نَفْيَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْحِلِّ كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ بِآخَرَ) اعْلَمْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامِي حَجَّتَيْنِ فَصَاعِدًا إمَّا أَنْ يَكُونَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي، وَعَلَى الثَّالِثِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْحَلْقِ لِلْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ، وَإِذَا كَانَ قَبْلَهُ فَإِمَّا أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ) قَالَ: فِي النَّهْرِ لَيْسَ مِنْ السَّهْوِ فِي شَيْءٍ بَلْ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ. اهـ.

أَيْ رِوَايَةِ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ وَالْعُمْرَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي، وَكَيْفَ يَكُونُ سَهْوًا، وَقَدْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْعَتَّابِيُّ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَحْرَمَ لِلثَّانِيَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ إلَخْ) قَالَ: فِي اللُّبَابِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ دَمُ الْجَمْعِ، وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ سَوَاءٌ حَلَقَ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ الثَّانِي أَوْ لَا، وَلَوْ حَلَقَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ ثَالِثٌ. اهـ.

وَلُزُومُ دَمِ الْجَمْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ حَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَهُمَا يَخُصَّانِ الْوُجُوبَ بِمَا إذَا حَلَقَ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ لُزُومَ الْحَجِّ الْآخَرِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْعِنَايَةِ قَالَ: لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ دَمٌ، وَإِنْ قَصَّرَ لِعَدَمِ لُزُومِ الْآخَرِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَهْوًا فِي نَقْلِ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ، وَمَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِنَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>