فَإِنَّهُ أَوْجَبَ دَمًا وَاحِدًا لِلْحَجِّ، وَقَدْ عَلِمْت فِيمَا سَبَقَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ الثَّانِيَةِ لَا يُوجِبُ الْجَمْعَ فِعْلًا فَاسْتَوَيَا فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا رِوَايَةُ الْوُجُوبِ. اهـ.
وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ أَحْرَمَ لِلثَّانِي يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالثَّانِي بِعَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا رَفَضَ الثَّانِيَةَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلرَّفْضِ، وَعُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ مِنْ قَابِلٍ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ الثَّانِيَةَ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ارْتَفَضَ كَمَا انْعَقَدَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ارْتَفَضَ بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالثَّانِي يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ لَيْلَةَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَكُنْ وَقَفَ نَهَارًا، وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بَعْدَمَا وَقَفَ نَهَارًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَا بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ سَابِقٌ وَسَبَبُ التَّرْكِ إنَّمَا يَكُونُ مُتَأَخِّرًا، وَقَيَّدَ بِتَرَاخِي إحْرَامِ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ لَزِمَاهُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْمَعِيَّةِ يَلْزَمُهُ إحْدَاهُمَا، وَفِي التَّعَاقُبِ الْأُولَى فَقَطْ، وَإِذَا لَزِمَاهُ عِنْدَهُمَا ارْتَفَضَتْ إحْدَاهُمَا بِاتِّفَاقِهِمَا وَيَثْبُتُ حُكْمُ الرَّفْضِ وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الرَّفْضِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَقِبَ صَيْرُورَتِهِ مُحْرِمًا بِلَا مُهْلَةٍ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَرَعَ فِي الْأَعْمَالِ، وَقِيلَ إذَا تَوَجَّهَ سَائِرًا وَنَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ، وَإِنَّمَا التَّنَافِي بَيْنَ الْأَدَاءَيْنِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا جَنَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ لِلْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامَيْنِ، وَلَوْ قَتَلَ صَيْدًا لَزِمَهُ قِيمَتَانِ وَدَمٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِارْتِفَاضِ إحْدَاهُمَا قَبْلَهَا، وَإِذَا رَفَضَ إحْدَاهُمَا لَزِمَهُ دَمٌ لِلرَّفْضِ وَيَمْضِي فِي الْأُخْرَى وَيَقْضِي حَجَّةً، وَعُمْرَةً لِأَجْلِ الَّتِي رَفَضَهَا، وَإِذَا أُحْصِرَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى مَكَّةَ بَعَثَ بِهَدْيَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَبِوَاحِدٍ عِنْدَهُمَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ صَارَ رَافِضًا لِإِحْدَاهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا فَإِذَا لَمْ يَحُجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَزِمَهُ عُمْرَتَانِ وَحَجَّتَانِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَهُ حَجَّتَانِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
وَقَيَّدَ بِكَوْنِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ الْأُولَى إلَّا التَّقْصِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَ التَّقْصِيرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ فَالْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجَّتَيْنِ مِنْ لُزُومِهِمَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ مِنْ ارْتِفَاعِ أَحَدِهِمَا بِالشُّرُوعِ فِي عَمَلِ الْأُخْرَى عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ وَدَمٌ لِلرَّفْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ بَعْدَمَا طَافَ لِلْأُولَى شَوْطًا رَفَضَ الثَّانِيَةَ، وَعَلَيْهِ دَمُ الرَّفْضِ وَالْقَضَاءُ. وَكَذَا لَوْ طَافَ الْكُلَّ قَبْلَ أَنْ يَسْعَى فَإِنْ كَانَ فَرَغَ إلَّا الْحَلْقَ لَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا، وَعَلَيْهِ دَمُ الْجَمْعِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ حَلَقَ لِلْأُولَى لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ لِلْجِنَايَةِ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَلَوْ كَانَ جَامَعَ فِي الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ فَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَدْخَلَ الثَّانِيَةَ يَرْفُضُهَا وَيَمْضِي فِي الْأُولَى حَتَّى يُتِمَّهَا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ فِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ، وَإِنْ نَوَى رَفْضَ الْأُولَى وَالْعَمَلَ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا الْأُولَى، وَمَنْ أَحْرَمَ لَا يَنْوِي شَيْئًا فَطَافَ ثَلَاثَةً فَأَقَلَّ ثُمَّ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ رَفَضَهَا؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَعَيَّنَتْ عُمْرَةً حِينَ أَخَذَ فِي الطَّوَافِ فَحِينَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى صَارَ جَامِعًا بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ فَلِهَذَا يَرْفُضُ الثَّانِيَةَ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَقَدْ رَفَضَ عُمْرَتَهُ، وَإِنْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا لَا) أَيْ لَا يَصِيرُ رَافِضًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، وَالْكَلَامُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُسِيءٌ بِتَقْدِيمِ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ إذْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَجِّ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوُقُوفِ وَالتَّوَجُّهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْعُمْرَةَ تَحْتَمِلُ الرَّفْضَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَامْشُطِي رَأْسَك وَارْفُضِي عُمْرَتَك» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ بِعُمْرَةٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَلَمْ يَأْتِ بِأَكْثَرِ أَشْوَاطِهَا حَتَّى
ــ
[منحة الخالق]
فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. اهـ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ أَوْجَبَ دَمًا وَاحِدًا لِلْحَجِّ) قَالَ: فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي الْكَافِي قِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ سَكَتَ فِي الْجَامِعِ عَنْ إيجَابِ الدَّمِ بِسَبَبِ الْجَمْعِ، وَمَا نَفَاهُ، وَقِيلَ بَلْ فِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْكَشَانِيِّ. اهـ.
وَاسْتَوْجَهَ فِي الْفَتْحِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ كَمَا يَأْتِي، وَفِي الْعِنَايَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ مُحَمَّدٍ فِي لُزُومِ الْإِحْرَامَيْنِ كَمَذْهَبِهِمَا، وَإِلَّا لَمَا لَزِمَ عِنْدَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ لِعَدَمِ لُزُومِ أَحَدِهِمَا إلَّا إذَا أَرَادَ بِالْجَمْعِ إدْخَالَ الْإِحْرَامِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَيَسْتَقِيمُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عَلِمْت إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ أَيْضًا مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ) قَالَ: فِي النَّهْرِ لَكِنَّ قِيَاسَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْ الْآتِيَ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنْ يَبْطُلَ بِالْمَسِيرِ إلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَدَمٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ لِلْجِنَايَةِ سِوَى دَمِ الرَّفْضِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ عُمْرَتَانِ وَحَجَّتَانِ) عَزَاهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ إلَى مَنْسَكِ الْفَارِسِيِّ وَالطَّرَابُلُسِيِّ وَالْبَحْرِ الْعَمِيقِ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ، وَلَيْسَ بِمُطْلَقٍ بَلْ إنْ كَانَ عَدَمُ حَجِّهِ مِنْ عَامِهِ لِفَوَاتٍ فَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْقَضَاءِ لِأَجْلِ الَّذِي رَفَضَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلْفَائِتِ عُمْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْحَجِّ لِإِحْصَارِهِ فَعَلَيْهِ عُمْرَتَانِ فِي الْقَضَاءِ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ بِلَا فِعْلٍ. اهـ. وَهُوَ تَحْقِيقٌ حَسَنٌ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute