للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَيَحْلِقُ اتِّفَاقًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا خِلَافَ فَإِنَّهُمَا قَالَا: بِأَنَّهُ حَسَنٌ، وَهُوَ قَالَ: بِاسْتِحْبَابِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ، وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَارِنًا بَعَثَ دَمَيْنِ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمُحْصَرُ قَارِنًا فَإِنَّهُ يَبْعَثُ دَمًا لِعُمْرَتِهِ وَدَمًا لِحَجَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِهِمَا أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ الَّذِي لِلْعُمْرَةِ وَاَلَّذِي لِلْحَجِّ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَيَبْقَى فِي الْآخَرِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ تَحَلَّلَ عَنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ يَكُونُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ، وَلَوْ بَعَثَ بِثَمَنِ هَدْيَيْنِ فَلَمْ يُوجَدْ بِذَلِكَ بِمَكَّةَ إلَّا هَدْيٌ وَاحِدٌ فَذُبِحَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ لَا عَنْهُمَا، وَلَا عَنْ أَحَدِهِمَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَتَيْنِ أَوْ بِحَجَّتَيْنِ ثُمَّ أُحْصِرَ قَبْلَ السَّيْرِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ هَدْيَيْنِ فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُحْصِرَ بَعْدَ السَّيْرِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ، وَأَشَارَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْثِ فِي الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ إلَى أَنَّهُ إذَا بَعَثَ الْهَدْيَ إنْ شَاءَ رَجَعَ، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ: وَيَتَوَقَّفُ بِالْحَرَمِ لَا بِيَوْمِ النَّحْرِ) يَعْنِي فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالزَّمَانِ، وَأَمَّا تَقْيِيدُهُ بِالْمَكَانِ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ مَكَانَهُ، وَهُوَ الْحَرَمُ فَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمَا فِي قِيَاسِ الزَّمَانِ عَلَى الْمَكَانِ فَلَوْ ذَبَحَ فِي الْحِلِّ فَحَلَّ عَلَى ظَنِّ الذَّبْحِ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مُحْرِمٌ كَمَا كَانَ، وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْبَحَ فِي الْحَرَمِ، وَعَلَيْهِ الدَّمُ لِتَنَاوُلِ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ، وَإِحْرَامَ الْعُمْرَةِ لَكِنْ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِالْعُمْرَةِ لَا يَتَوَقَّفُ ذَبْحُهُ بِالْيَوْمِ، وَفِي الْمُحِيطِ جَعَلَ الْمُوَاعَدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ لَا يَتَوَقَّفُ بِالْيَوْمِ فَلَا يَصِيرُ وَقْتُ الْإِحْلَالِ مَعْلُومًا لِلْمُحْصَرِ مِنْ غَيْرِ مُوَاعَدَةٍ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ مُؤَقَّتٌ عِنْدَهُمَا بِيَوْمِ النَّحْرِ فَكَانَ وَقْتُ الْإِحْلَالِ مَعْلُومًا. اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ عِنْدَهُمَا بِأَيَّامِ النَّحْرِ لَا بِالْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْمُوَاعَدَةِ لِتَعْيِينِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، وَقَدْ يُقَالُ يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ إلَى مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إنْ تَحَلَّلَ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ عُمْرَةٌ، وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ، وَعُمْرَتَانِ) بَيَانٌ لِحُكْمِ الْمُحْصَرِ الْمَآلِيِّ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَيْنِ حَالِيًّا، وَمَآلِيًّا فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَعْثِ الشَّاةِ حُكْمُ الْحَالِيِّ وَالْقَضَاءُ إذَا تَحَلَّلَ وَزَالَ الْإِحْصَارُ حُكْمُهُ الْمَآلِيُّ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ فَإِنْ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِلَّا لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا، وَعُمْرَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ الْحَجِّ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا شَرَعَ فِيهِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَرَنَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ أَفْرَدَهُمَا فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْأَصْلَ لَا الْوَصْفَ، وَأَمَّا نِيَّةُ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ بِحَجِّ نَفْلٍ، وَتَحَوَّلَتْ السَّنَةُ فَهِيَ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَنْوِي الْقَضَاءَ بَلْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ الْقَارِنَ عُمْرَةٌ ثَانِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ الْحَجِّ فَلِذَا لَوْ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ، وَأَتَى بِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ أُخْرَى، وَأَطْلَقَهُ أَيْضًا فَأَفَادَ أَنَّ لَهُ فِي الْقَضَاءِ الْقِرَانَ، وَإِفْرَادَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ هَكَذَا صَرَّحُوا بِهِ هُنَا، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ والْوَلْوَالِجِيُّ وَالْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ: مِنْ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْإِحْصَارُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعُمْرَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فِي الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى أَدَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُ الْحَجِّ مُرَتَّبَةً عَلَيْهَا وَبِفَوَاتِ الْحَجِّ يَفُوتُ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَيْسَ لَهُ الْإِفْرَادُ، وَأَنَّ الْقِرَانَ وَاجِبٌ فِي الْقَضَاءِ وَيُنَاقِضُهُ مَا قَالُوهُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَدَّى عُمْرَتَهُ مِنْ سَنَتِهِ، وَأَدَّى الْحَجَّ مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُحْصَرَ فَائِتٌ لِلْحَجِّ إذَا لَمْ يُدْرِكُهُ فِي سَنَتِهِ وَالْحَقُّ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ بِالشُّرُوعِ الْتَزَمَ أَصْلَ الْقُرْبَةِ لَا صِفَتَهَا، وَهُوَ الْقِرَانُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ قَائِمًا لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا خِلَافَ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَإِلَّا فَفِي السِّرَاجِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْحَلْقَ وَاجِبٌ لَا يَسْعَهُ تَرْكُهُ.

(قَوْلُهُ: وَيُنَاقِضُهُ مَا قَالُوهُ إلَخْ) أَيْ يُنَاقِضُ مَا قَالُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا حَاصِلُهُ وُجُوبُ الْقِرَانِ فِي الْقَضَاءِ مَا قَالُوهُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ مِمَّا حَاصِلُهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُحْصَرَ إلَخْ بَيَانُ وَجْهِ الْمُنَاقَضَةِ أَيْ إنَّ الْمُحْصَرَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ فَائِتُ الْحَجِّ فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَارِنَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَدَّى عُمْرَتَهُ إلَخْ فَحَصَلَتْ الْمُنَاقَضَةُ، وَقَوْلُهُ وَالْحَقُّ هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ مَا أَفَادَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>