للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ أَحَدِهِمَا كَلَامَ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ غَيْبَتِهِ كَمَا فِي الْوِقَايَةِ، وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ انْعِقَادَهُ بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ مِنْ الْحَاضِرَيْنِ فَلَوْ كَتَبَ تَزَوَّجْتُك فَكَتَبَتْ قَبِلْت لَمْ يَنْعَقِدْ.

وَأَمَّا مِنْ الْغَائِبِ فَكَالْخِطَابِ، وَكَذَا الرَّسُولُ فَيُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشُّهُودِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ، وَكَلَامَ الرَّسُولِ، وَفِي الْمُحِيطِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالْخِطَابِ أَنَّ فِي الْخِطَابِ لَوْ قَالَ: قَبِلْت فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ، وَفِي الْكِتَابِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَمَا وُجِدَ تَلَاشَى فَلَمْ يَتَّصِلُ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَائِمٌ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَقِرَاءَتُهُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِ الْحَاضِرِ فَاتَّصَلَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ فَصَحَّ. اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ سَمَاعُ الشُّهُودِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ مَعَ قَبُولِهَا أَوْ حِكَايَتِهَا مَا فِي الْكِتَابِ لَهُمْ فَلَوْ قَالَتْ: إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ يَخْطُبُنِي فَاشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ صَحَّ النِّكَاحُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِعَ عَشَرَ فِي النِّكَاحِ بِالْكِتَابَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ، وَقَيَّدَ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِقْرَارِ فَلَوْ قَالَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ: هِيَ امْرَأَتِي، وَأَنَا زَوْجُهَا، وَقَالَتْ: هُوَ زَوْجِي، وَأَنَا امْرَأَتُهُ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إظْهَارٌ لِمَا هُوَ ثَابِتٌ، وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ وَنَقَلَ قَاضِي خَانْ عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ انْعِقَادَهُ بِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَالْخُلَاصَةِ.

وَصَحَّ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ إنْ كَانَ بِمَحْضَرِ الشُّهُودِ صَحَّ النِّكَاحُ وَجُعِلَ إنْشَاءً، وَإِلَّا فَلَا، وَمِنْ شُرُوطِ الرُّكْنِ أَنْ يُضِيفَ النِّكَاحَ إلَى كُلِّهَا أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ بِخِلَافِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ كَمَا عُرِفَ فِي الطَّلَاقِ، وَقَالُوا الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا لَا يَقَعُ، وَكَذَا الْعِتْقُ فَلَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى ظَهْرِهَا أَوْ بَطْنِهَا ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ مَشَايِخُنَا: الْأَشْبَهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ وَذَكَرَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ قَالَ: تَزَوَّجْت نِصْفَك فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَطَلَاقِ نِصْفِهَا يَقْتَضِي الصِّحَّةَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعٍ جَوَازَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ فِيهَا فَلَا يَكْفِي ذِكْرُ الْبَعْضِ لِاجْتِمَاعِ مَا يُوجِبُ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فَتُرَجَّحُ الْحُرْمَةُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ الْمَنْكُوحَةُ مَجْهُولَةً فَلَوْ زَوَّجَهُ بِنْتِهٍ، وَلَمْ يُسَمِّهَا، وَلَهُ بِنْتَانِ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ سَمَاعُ الشُّهُودِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ إلَخْ) قَدْ مَرَّ تَقْيِيدُهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكْتُبْ إلَيْهَا زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ وَسَيُعِيدُ عِبَارَةَ الظَّهِيرِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ عِنْدَ حُرَّيْنِ وَيُبَيِّنُ أَنَّ مَا هُنَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِقْرَارِ) لَا يُنَافِيهِ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِالتَّصَادُقِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِقْرَارِ أَيْ لَا يَكُونُ مِنْ صِيَغِ الْعَقْدِ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَثْبُتُ بِالتَّصَادُقِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُثْبِتُهُ بِهِ وَيَحْكُمُ بِهِ، كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ مَعْزِيًّا لِلْحَانُوتِيِّ (قَوْلُهُ: قَالَ: مَشَايِخُنَا الْأَشْبَهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ) قَالَ: فِي النَّهْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ. اهـ.

أَيْ: الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْآتِيَةِ مِنْ أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ صِحَّةُ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ، وَقَاعِدَةُ إذَا اجْتَمَعَ مَا يُوجِبُ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ تُرَجَّحُ الْحُرْمَةُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الطَّلَاقِ دُونَ النِّكَاحِ.

وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ فِي النَّهْرِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ يَقُولُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَمَنْ قَالَ: لَا يَقَعُ يَقُولُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إذَا قَالَ لَهَا نِصْفُك طَالِقٌ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ يَقَعُ، وَإِنْ قَالَ ظَهْرُك طَالِقٌ أَوْ بَطْنُك قَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ: ظَهْرُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّيِّ أَوْ قَالَ: بَطْنُكِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّيِّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ قَالَ: وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا أُضِيفَ عَقْدُ النِّكَاحِ إلَى ظَهْرِ الْمَرْأَةِ أَوْ إلَى بَطْنِهَا إنَّ الْأَشْبَهَ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) أَقُولُ: وَرَأَيْت مِثْلَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَنَصُّهُ، وَلَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. اهـ.

وَهَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ فَمَا عُزِّيَ إلَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ الصِّحَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: وَلَهُ بِنْتَانِ) أَيْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا ذَاتَ زَوْجٍ قَالَ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ بِنْتَانِ مُزَوَّجَةً وَغَيْرَ مُزَوَّجَةٍ، وَقَالَ: عِنْدَ الشُّهُودِ زَوَّجْت بِنْتِي مِنْك، وَلَمْ يُسَمِّ اسْمَ الْبِنْتِ، وَقَالَ: الْخَاطِبُ قَبِلْتُ صَحَّ وَانْصَرَفَ إلَى الْفَارِغَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إطْلَاقُهُ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَلَوْ جَرَتْ مُقَدِّمَاتُ الْخِطْبَةِ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا لِتَتَمَيَّزَ الْمَنْكُوحَةُ عِنْدَ الشُّهُودِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ عِنْدَ حُرَّيْنِ تَأَمَّلْ. اهـ.

أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَوْ تَمَيَّزَتْ عِنْدَ الشُّهُودِ أَيْضًا بِجَرَيَانِ مُقَدِّمَاتِ الْخِطْبَةِ عَلَيْهَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى تَأَمَّلْ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا إذَا، وَقَعَتْ الْخِطْبَةُ عَلَى إحْدَاهُمَا وَوَقْتَ الْعَقْدِ عَقَدَا بِاسْمِ الْأُخْرَى خَطَأً فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الَّتِي سَمَّيَاهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقَدِّمَاتِ الْخِطْبَةِ قَرِينَةٌ مُعَيِّنَةٌ إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا صَرِيحٌ وَالتَّصْرِيحُ بِذَلِكَ الْأُخْرَى صَرِيحٌ فَلَا تَعْمَلُ مَعَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>