للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِ الزِّنَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ فَاسِدٌ قِيَاسًا عَلَى الثَّانِي وَهِيَ الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ، وَهَذَا الْحَمْلُ مُحْتَرَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ إسْقَاطُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ بِالنَّصِّ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ كَيْ لَا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ وَالِامْتِنَاعُ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ لِحَقِّ صَاحِبِ الْمَاءِ وَلَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي وَمَحَلُّ الْخِلَافِ تَزَوُّجُ غَيْرِ الزَّانِي، أَمَّا تَزَوُّجُ الزَّانِي لَهَا فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا وَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عِنْدَ الْكُلِّ وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدَ بِالتَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ اتِّفَاقًا لِلْحَدِيثِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» فَإِنْ قِيلَ: فَمُ الرَّحِمِ يَنْسَدُّ بِالْحَبَلِ فَكَيْفَ يَكُونُ سَقَى زَرْعَ غَيْرِهِ؟ قُلْنَا: شَعْرُهُ يَنْبُتُ مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَحُكْمُ الدَّوَاعِي عَلَى قَوْلِهِمَا كَالْوَطْءِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَقِيلَ: لَهَا ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْوَطْءِ مِنْ جِهَتِهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ سَمَاوِيٌّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ لَا مِنْ غَيْرِهِ فَشَمِلَ الْحَامِلَ مِنْ حَرْبِيٍّ كَالْمُهَاجِرَةِ وَالْمَسْبِيَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا وَصَحَّحَ الشَّارِحُ الْمَنْعَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَشَمِلَ أُمَّ الْوَلَدِ فَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِمَوْلَاهَا حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَلَوْ صَحَّ النِّكَاحُ لَحَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ الْوَلَدُ بِالنَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْحَمْلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمَوْلَى اعْتَرَفَ بِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَلِذَا لَمْ يَكُنْ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا نَفْيًا لِلْوَلَدِ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ بِخِلَافِهِ فَلَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ وَزَوَّجَهَا وَهِيَ حَامِلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النِّكَاحُ وَيَكُونَ نَفْيًا دَلَالَةً فَإِنَّ النَّسَبَ كَمَا يَنْتَفِي بِالصَّرِيحِ يَنْتَفِي بِالدَّلَالَةِ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ جَاءَتْ بِأَوْلَادٍ ثَلَاثَةٍ فَادَّعَى الْمَوْلَى أَكْبَرَهُمْ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَنْتَفِي نَسَبُ غَيْرِهِ بِدَلَالَةِ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَعْضِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ وَالْمَوْطُوءَةُ بِمِلْكٍ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ مَنْ وَطِئَهَا الْمَوْلَى بِمِلْكِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ وَأَفَادَ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الشُّغْلَ بِمَاءِ الْمَوْلَى فَوَجَبَ التَّنَزُّهُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ، وَلَهُمَا: أَنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الشُّغْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَاصِلِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَاجِبٍ وَلَمْ يَقُلْ لَا يُسْتَحَبُّ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَقُلْ أَيْضًا هُوَ وَاجِبٌ وَلَكِنَّهُ قَالَ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ لَا يُؤْمَرُ بِهِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا يَأْبَى هَذَا الْحَمْلَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اسْتِبْرَاءَ الْمَوْلَى وَفِي الْهِدَايَةِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَحَمَلَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْحَتْمِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ مِنْ إنْسَانٍ، وَقَدْ كَانَ يَطَؤُهَا بَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ثُمَّ يُزَوِّجُهَا كَمَا لَوْ أَرَادَ بَيْعًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ هَاهُنَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ اهـ.

وَقَدْ جَعَلَ الْوُجُوبَ فِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيُّ قَوْلُهُ مُحَمَّدٌ أَطْلَقَ فِي الْمَوْطُوءَةِ بِالْمِلْكِ فَشَمِلَ أُمَّ الْوَلَدِ مَا لَمْ تَكُنْ حُبْلَى مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ زِنًا) أَيْ وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْمَوْطُوءَةِ بِالزِّنَا أَيْ الزَّانِيَةِ، لَوْ رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا، جَازَ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَزَوُّجِ الزَّانِيَةِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣] فَمَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: ٣] عَلَى مَا قِيلَ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ أَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ امْرَأَتِي لَا تَدْفَعُ يَدَ لَامِسٍ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ بِدَلِيلِ الْأَمَةِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ، أَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَمْلَ يَخْفَى أَمْرُهُ فَرُبَّمَا يَكُونُ تَزَوَّجَهَا بِنَاءً مِنْهُ عَلَى عَدَمِهِ بَلْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ قَدْ يُجْهَلُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِالظُّهُورِ وَالْعِلْمِ فَتَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>