للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ لَا فَرْقَ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا زَوْجَةٌ. وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ: قَالَا لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَزَوُّجٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُحَرَّمُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ بِهَذَا، بِخِلَافِ تَزَوُّجِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْمَمْنُوعَ فِي تِلْكَ الْجَمْعُ، وَقَدْ وُجِدَ وَهُنَا الْمَمْنُوعُ الْإِدْخَالُ عَلَيْهَا لِتَنْقِيصِهَا لَا الْجَمْعُ وَالْإِدْخَالُ لِلتَّنْقِيصِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْمُبَانَةِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَبَقِيَ الْمَنْعُ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَدْخُلَ غَيْرُهَا فِي قَسَمِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا فَطَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ تَزَوَّجَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا قَسَمَ لَهَا كَالْمُبَانَةِ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ عَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يُسَمَّى مُتَزَوِّجًا عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِبَانَةِ وَهُوَ يُفِيدُ الْحِنْثَ فِي الرَّجْعِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَطْلَقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمِلَ الْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةَ؛ لِأَنَّهَا كَمَا فِي الصِّحَاحِ خِلَافُ الْحُرَّةِ وَقَيَّدْنَا نِكَاحَ الْحُرَّةِ بِالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا الْفَاسِدَ وَلَوْ فِي الْعِدَّةِ وَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ لَا يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأَمَةِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ.

(قَوْلُهُ وَأَرْبَعٌ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ) أَيْ وَحَلَّ تَزَوُّجُ أَرْبَعٍ لَا أَكْثَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ الرَّوَافِضِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطَالَةِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] مَعْدُولَةٌ عَنْ أَعْدَادٍ مُكَرَّرَةٍ: هِيَ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثَ ثَلَاثَ وَأَرْبَعَ أَرْبَعَ وَهِيَ غَيْرُ مُنْصَرِفَةٍ لِلْعَدْلِ وَالصِّفَةِ فَإِنَّهَا بَيَّنَتْ صِفَاتٍ وَإِنْ كَانَتْ أُصُولُهَا لَمْ تُبَيِّنْ لَهَا، وَقِيلَ لِتَكْرَارِ الْعَدْلِ فَإِنَّهَا مَعْدُولَةٌ بِاعْتِبَارِ الصِّيغَةِ وَالتَّكْرِيرِ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ طَابَ وَمَعْنَاهَا الْإِذْنُ لِكُلِّ نَاكِحٍ يُرِيدُ الْجَمْعَ أَنْ يَنْكِحَ مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِينَ مُتَّفِقِينَ وَمُخْتَلِفِينَ كَقَوْلِهِ اقْتَسِمُوا هَذِهِ الْبَدْرَةَ دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ وَثَلَاثَةَ ثَلَاثَةَ وَلَوْ أَفْرَدَ كَانَ الْمَعْنَى تَجْوِيزَ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَعْدَادِ دُونَ التَّوْزِيعِ وَلَوْ ذُكِرَتْ بِأَوْ لَذَهَبَ تَجْوِيزُ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَدَدِ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَحَاصِلُ الْحَالِ أَنَّ حِلَّ الْوَاحِدَةِ كَانَ مَعْلُومًا، وَهَذِهِ الْآيَةُ لِبَيَانِ حِلِّ الزَّائِدِ عَلَيْهَا إلَى حَدٍّ مُعَيَّنٍ مَعَ بَيَانِ التَّنْجِيزِ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْعَدَدُ فِي الْآيَةِ مَانِعًا مِنْ الزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَدَدٌ لَا يَمْنَعُهَا لِوُقُوعِهِ حَالًا قَيْدًا فِي الْإِحْلَالِ، قَيَّدَ بِالتَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّ لَهُ التَّسَرِّي بِمَا شَاءَ مِنْ الْإِمَاءِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأَلْفُ جَارِيَةٍ وَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أُخْرَى فَلَامَهُ رَجُلٌ يُخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرُ اهـ.

وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى امْرَأَتِهِ الْأُخْرَى فَلَامَهُ رَجُلٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَافَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ لِمَا أَنَّ فِي تَزَوُّجِ الْجَمْعِ مِنْ النِّسَاءِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً بِسَبَبِ وُجُوبِ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: ٣] بِخِلَافِ الْجَمْعِ مِنْ السَّرَارِيِّ فَإِنَّهُ لَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا إذَا تَرَكَ التَّزَوُّجَ عَلَى امْرَأَتِهِ كَيْ لَا يُدْخِلَ الْغَمَّ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ كَانَ مَأْجُورًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي اللَّوْمُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٦] .

(قَوْلُهُ وَاثْنَتَيْنِ لِلْعَبْدِ) أَيْ وَحَلَّ تَزَوُّجُ اثْنَتَيْنِ لَهُ حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي النِّكَاحِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ نِعْمَةً وَعُقُوبَةً، أَطْلَقَ فِي الْعَبْدِ فَشَمِلَ الْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ، وَقَيَّدَ بِالتَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّسَرِّي وَلَا أَنْ يُسَرِّيَهُ مَوْلَاهُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحِلَّ مُنْحَصِرٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَمْ يَكُنْ الثَّانِي لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَ فَانْحَصَرَ حِلُّهُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ.

(قَوْلُهُ وَحُبْلَى مِنْ زِنًا لَا مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا وَلَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَافَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الدَّلِيلُ الْمُقْتَضِي لِلُحُوقِ الْإِمَاءِ مَعَ الزَّوْجَاتِ وَاحِدٌ فَأَنَّى وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَمَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَرَائِرِ مَشَقَّةً، سَبَبُ وُجُوبِ الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّرَارِيِّ فَإِنَّهُ لَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ مَعَ النَّصِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>