للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكَحُ» فَحَمَلَهُ الْمَشَايِخُ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَالْمَنْهِيُّ الرَّجُلُ وَعَلَى التَّمْكِينِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فَالْمَنْهِيُّ الْمَرْأَةُ وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ وَكَلِمَةُ (لَا) فِيهِ جَازَ أَنْ تَكُونَ نَاهِيَةً وَدُخُولُهَا عَلَى الْمُسْنَدِ لِلْغَائِبِ جَائِزٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ وَجَازَ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً وَفِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ أَنَّ مَعْنَى الثَّانِيَةِ لَا يُمَكِّنُ الْمَرْأَةَ مِنْ نَفْسِهِ لِتَطَأَهُ كَمَا هُوَ فِعْلُ الْبَعْضِ فَجَعَلَ التَّذْكِيرَ عَلَى حَقِيقَةٍ وَأَنَّ الْمَنْهِيَّ الرَّجُلُ فِيهِمَا وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ كَسْرِ الْكَافِ نَفْيًا لِلْإِنْكَاحِ وَمَعَ فَتْحِ الْكَافِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَقَدْ صُحِّفَ وَجُوِّزَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَمْلُ النِّكَاحِ فِيهِ عَلَى الْعَقْدِ وَيَكُونُ النَّهْيُ فِيهِ لِلْكَرَاهَةِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ فِي شُغُلٍ عَنْ مُبَاشَرَةِ عُقُودِ الْأَنْكِحَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ وَهُوَ مَحْمِلُ قَوْلِهِ «وَلَا يَخْطُبُ» وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَاشَرَهُ لِعَدَمِ شَغْلِ قَلْبِهِ بِخِلَافِنَا اهـ.

وَحُمِلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُهُ «وَلَا يَخْطُبُ» عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْتِمَاسِ الْوَطْءِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ.

(قَوْلُهُ وَالْأَمَةُ وَلَوْ كِتَابِيَّةً) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَصْلُهُ التَّقْيِيدُ بِالْوَصْفِ، وَالشَّرْطُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ هِيَ أَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ وَالْوَصْفِ هَلْ يَكُونُ مُعْتَبَرًا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ نَعَمْ، وَقُلْنَا لَا فَصَارَ الْحِلُّ ثَابِتًا فِيهَا بِالْعُمُومَاتِ مِثْلُ قَوْلِهِ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] فَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا نِكَاحَ الْأَمَةِ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ وَنِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ وَعَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِ مَفْهُومِهِمَا فَمُقْتَضَاهُمَا عَدَمُ الْإِبَاحَةِ الثَّابِتَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْقَيْدِ الْمُبِيحِ وَعَدَمُ الْإِبَاحَةِ أَعَمُّ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ بِخُصُوصِهِ فَيَجُوزُ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ وَعِنْدَ وُجُودِ طَوْلِ الْحُرَّةِ كَمَا يَجُوزُ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ عَلَى السَّوَاءِ وَالْكَرَاهَةُ أَقَلُّ فَتَعَيَّنَتْ، فَقُلْنَا بِهَا، وَبِالْكَرَاهَةِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَاهُمَا عَدَمُ الْحِلِّ لَا عَدَمُ الْإِبَاحَةِ وَعَدَمُ الْحِلِّ مُدَّعَاهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي كَلَامِ الْبَدَائِعِ تَنْزِيهِيَّةٌ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمُبَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ رَاجِحًا عَلَى الْفِعْلِ، نَعَمْ عَدَمُ الْإِبَاحَةِ أَعَمُّ مِنْ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُبَاحَ عِنْدَهُمْ مَا أَذِنَ الشَّارِعُ فِي فِعْلِهِ لَا مَا اسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ كَمَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ كَمَا عُرِفَ فِي بَحْثِ الْأَمْرِ مِنْ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ وَالْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ لَا عَكْسُهُ) أَيْ حَلَّ إدْخَالُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا يَحِلُّ إدْخَالُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ الْمُتَزَوِّجَةِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ لِلْحَدِيثِ «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ وَعَلَى مَالِكٍ فِي تَجْوِيزِهِ بِرِضَا الْحُرَّةِ وَلِأَنَّ لِلرِّقِّ أَثَرًا فِي تَنْظِيفِ النِّعْمَةِ عَلَى مَا نُقَرِّرُهُ فِي الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَثْبُتُ بِهِ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ دُونَ حَالَةِ الِانْضِمَامِ، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَلَا مَعَهَا وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَمَعَهَا وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّةً ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ ارْتَفَعَ بِنِكَاحِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ وَالْحِلَّ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَكَانَ لِلْإِجَازَةِ حُكْمُ إنْشَاءِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَيُصَيِّرُهُ مُتَزَوِّجًا أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ وَلَوْ تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ قَبْلَ الْإِجَازَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ عَدَمٌ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ فَلَا يَمْنَعُ نِكَاحَ غَيْرِهَا اهـ.

قَيَّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مُرَاجَعَةُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا بَاقٍ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الرَّجْعَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْإِمَاءِ وَخَمْسًا مِنْ الْحَرَائِرِ فِي عَقْدٍ صَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ بِالْخَمْسِ بَاطِلٌ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ فَصَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ) أَيْ لَا يَحِلُّ إدْخَالُ الْأَمَةِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا نِكَاحُ الْمَرْأَةِ وَفِي بَعْضِهَا نِكَاحُ الْأَمَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي النَّهْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>