للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قَوْلُهُمْ إنَّهَا رَضِيَتْ بِنِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ فَسُكُوتُهَا إنَّمَا هُوَ لِعِلْمِهَا بِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْذَانِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا يُشْتَرَطُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالْمِعْرَاجِ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ قَائِلِهِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا إنَّمَا هُوَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ بِحُكْمِ الْجَبْرِ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَبِيرَةِ الَّتِي وَجَبَ مُشَاوَرَتُهَا وَالْأَبُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إلَّا بِرِضَاهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِيهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ إشَارَةَ كُتُبِ مُحَمَّدٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْبُكَاءَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ

وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهَا إنْ بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ فَهُوَ إذْنٌ؛ لِأَنَّهُ حُزْنٌ عَلَى مُقَاوَمَةِ أَهْلِهَا وَإِنْ كَانَ بِصَوْتٍ فَلَيْسَ بِإِذْنٍ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ السَّخَطِ وَالْكَرَاهَةِ غَالِبًا لَكِنْ فِي الْمِعْرَاجِ الْبُكَاءُ وَإِنْ كَانَ دَلِيلَ السَّخَطِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِرَدٍّ حَتَّى لَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهُ يَنْفُذُ الْعَقْدُ وَلَوْ قَالَتْ لَا أَرْضَى ثُمَّ رَضِيَتْ بَعْدَهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ اهـ.

وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ الْوِقَايَةِ وَالْبُكَاءُ بِلَا صَوْتٍ إذْنٌ وَمَعَهُ رَدٌّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ أَنَّ مَعْنَاهُ وَمَعَهُ لَيْسَ بِإِذْنٍ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ السَّخَطِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فِي الْبُكَاءِ وَالضَّحِكِ فَإِنْ تَعَارَضَتْ أَوْ أَشْكَلَ اُحْتِيطَ اهـ.

وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الِاسْتِئْذَانِ قَبْلَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الْبِكْرَ وَلِيُّهَا قَبْلَ النِّكَاحِ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا يَخْطُبُك أَوْ يَذْكُرُك فَسَكَتَتْ وَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ اسْتِئْمَارٍ فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَتَوَقَّفَ عَلَى رِضَاهَا. اهـ.

وَهُوَ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ أَنْ تَسْكُتَ» فَهُوَ لِبَيَانِ السُّنَّةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا لَوْ صَرَّحَتْ بِالرِّضَا بَعْدَ الْعَقْدِ نُطْقًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَأَرَادَ بِبُلُوغِهَا الْخَبَرَ: عِلْمَهَا بِالنِّكَاحِ فَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ حَاضِرَةٌ فَسَكَتَتْ فَإِنَّهُ إجَازَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَعِلْمُهَا بِهِ يَكُونُ بِإِخْبَارِ وَلِيِّهَا أَوْ رَسُولِهِ مُطْلَقًا أَوْ فُضُولِيٍّ عَدْلٍ أَوْ اثْنَيْنِ مَسْتُورَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَكْفِي إخْبَارُ وَاحِدٍ غَيْرِ عَدْلٍ وَلَهَا نَظَائِرُ سَتَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى.

وَلَا بُدَّ فِي التَّبْلِيغِ مِنْ تَسْمِيَةِ الزَّوْجِ لَهَا عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ فَعَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَفَرَّعَ فِي التَّبْيِينِ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ أَنَّهُ إنْ سَمَّاهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ وَافِرًا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يَكُونَ السُّكُوتُ رِضًا بِدُونِهِ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ فَبَلَغَهَا فَسَكَتَتْ، فَقَالَا لَا يَكُونُ رِضًا، وَقِيلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ رِضًا إنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَلَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّغِيرَةِ الْمُزَوَّجَةِ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا ضَحِكَتْ بَعْدَ بُلُوغِهَا الْخَبَرَ مَعَ أَنَّهُ كَضَحِكِهَا عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ لَهَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ أَوَّلًا

وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ أَوْ زَوَّجَهَا فَعَلِمَتْ بِهِ فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ فَهُوَ إذْنٌ لَكَانَ أَوْلَى وَالْبُكَاءُ عِنْدَ التَّزْوِيجِ كَهُوَ عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ وَأَطْلَقَ سُكُوتَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا الْخَبَرَ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَأْذَنَهَا فِي مُعَيَّنٍ فَرَدَّتْ ثُمَّ زَوَّجَهَا مِنْهُ فَسَكَتَتْ فَإِنَّهُ إجَازَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَغَهَا الْعَقْدُ فَرَدَّتْ، ثُمَّ قَالَتْ رَضِيت حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَطَلَ بِالرَّدِّ وَلِذَا اسْتَحْسَنُوا التَّجْدِيدَ عِنْدَ الزِّفَافِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ إذْ غَالِبُ حَالِهِنَّ إظْهَارُ النَّفْرَةِ عِنْدَ فَجْأَةِ السَّمَاعِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّدَّ الصَّرِيحَ لَا يَنْزِلُ عَنْ تَضْعِيفِ كَوْنِ ذَلِكَ السُّكُوتِ دَلَالَةَ الرِّضَا وَلَوْ كَانَتْ قَالَتْ قَدْ كُنْت قُلْتُ: لَا أُرِيدُهُ وَلَمْ تَزِدْ عَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ لِلْإِخْبَارِ بِأَنَّهَا عَلَى امْتِنَاعِهَا. اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالسُّكُوتِ عِنْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا أَوْ طَالَبَتْهُ بِالْمَهْرِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَلَامَ الْمِعْرَاجِ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ كَلَامِ الْوِقَايَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمُتُونِ الْمُعْتَبَرَةِ وَمِثْلُهَا فِي النُّقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالْإِصْلَاحِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمِعْرَاجِ نَقَلَ أَيْضًا عَنْ الْمَبْسُوطِ مَا نَصُّهُ: وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا إذَا كَانَ لِبُكَائِهَا صَوْتٌ كَالْوَيْلِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الدَّمْعُ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ لَا يَكُونُ رَدًّا؛ لِأَنَّهَا تَحْزَنُ عَلَى مُفَارَقَةِ بَيْتِ أَبَوَيْهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ اهـ.

فَقَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ لِبُكَائِهَا صَوْتٌ أَيْ كَوْنُهُ رَدًّا بِدَلِيلِ مُقَابِلِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ أَصْلَ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْبُكَاءَ رَدٌّ أَوْ لَا لِقَوْلِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِنْ بَكَتْ كَانَ رَدًّا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ يَكُونُ رِضًا قَالُوا إنْ كَانَ الْبُكَاءُ عَنْ صَوْتٍ وَوَيْلٍ لَا يَكُونُ رِضًا وَإِنْ كَانَ عَنْ سُكُوتٍ فَهُوَ رِضًا اهـ.

فَقَوْلُهُ قَالُوا إلَخْ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ قَالَ لَا يَكُونُ رِضًا مَعْنَاهُ يَكُونُ رَدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ بَكَتْ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ صَوْتٍ فَهُوَ رِضًا وَفِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ الرِّوَايَتَيْنِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ الْبُكَاءُ مَعَ الصِّيَاحِ وَالصَّوْتِ فَهُوَ رَدٌّ وَإِنْ كَانَ مَعَ السُّكُوتِ فَهُوَ رِضًا وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ إجَازَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>