للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَجَدَهَا زَائِلَةً الْعُذْرَةِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَى بَائِعِهَا وَإِنْ لَمْ يُجَامِعْهَا أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مِنْ اشْتِرَاطِ بَكَارَتِهَا اشْتِرَاطُ صِفَةِ الْعُذْرَةِ، وَأَمَّا إذَا زَالَتْ عُذْرَتُهَا بِالزِّنَا فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِكْرًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَلِذَا لَوْ أَوْصَى لِأَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ لَا تَدْخُلُ وَلِثَيِّبَاتِ بَنِي فُلَانٍ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ وَبِرَدِّهَا الْمُشْتَرِي الشَّارِطِ بَكَارَتَهَا فَهِيَ ثَيِّبٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا وَمِنْهُ الْمَثُوبَةُ لِلثَّوَابِ الْعَائِدِ جَزَاءَ عَمَلِهِ وَالْمَثَابَةُ لِلْبَيْتِ الَّذِي يَعُودُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ وَالتَّثْوِيبُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ فَجَرَيَا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فِي تَزْوِيجِهَا، فَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ وَلَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا؛ لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ وَخَرَجَ الْإِمَامُ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ، فَقَالَ: إنْ اشْتَهَرَ حَالُهَا بِأَنْ خَرَجَتْ وَأُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَوْ صَارَ الزِّنَا عَادَةً لَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ أَوْ كَانَ وَطْئًا بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَكَمَا قَالَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَظْهَرهُ فِي غَيْرِ الزِّنَا حَيْثُ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ زِنَاهَا فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِسُكُوتِهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهَا بِكْرًا فَيَعِيبُونَهَا بِالنُّطْقِ فَتَتَمَنَّعُ عَنْهُ فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا كَيْ لَا يَتَعَطَّلَ عَلَيْهَا مَصَالِحُهَا، وَقَدْ نَدَبَ الشَّارِعُ إلَى سَتْرِ الزِّنَا فَكَانَتْ بِكْرًا شَرْعًا وَالْوَثْبَةُ النَّطَّةُ وَفِي النِّهَايَةِ الْوَثْبَةُ الْوُثُوبُ وَالتَّعْنِيسُ طُولُ الْمُكْثِ مِنْ غَيْرِ تَزْوِيجٍ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الْبِكْرَ لَوْ خَلَا بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهَا تُزَوَّجُ ثَانِيًا كَبِكْرٍ لَمْ تَتَزَوَّجْ أَصْلًا فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً.

(قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لَهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ) أَيْ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَ وَقَالَتْ رَدَدْت وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَقَالَ زُفَرُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدَّ عَارِضٌ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ يَدَّعِي لُزُومَ الْعَقْدِ وَمِلْكَ الْبُضْعِ وَالْمَرْأَةُ تَدْفَعُهُ فَكَانَتْ مُنْكِرَةً كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ قَدْ ظَهَرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ عَلَيْهَا الْيَمِينَ لِلِاخْتِلَافِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْيَمِينُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعْوَى فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى النَّاصِحِيِّ أَنَّ رَجُلًا لَوْ ادَّعَى عَلَى الْأَبِ أَنَّهُ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَأَنْكَرَ الْأَبُ يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْكَبِيرَةِ لَا يَحْلِفُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْإِقْرَارِ فِيهِمَا. اهـ.

وَاسْتَشْكَلَهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْيَمِينِ عِنْدَهُ لِامْتِنَاعِ الْبَدَلِ لَا لِامْتِنَاعِ الْإِقْرَارِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَقَرَّتْ لِرَجُلٍ بِالنِّكَاحِ نَفَذَ إقْرَارُهَا وَمَعَ هَذَا لَا تَحْلِفُ وَلَا شُبْهَةَ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَهُمَا اهـ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ السَّادِسَ عَشَرَ بِأَنَّهُ قَوْلُهُمَا فَقَطْ فَقَدْ ظَهَرَ بَحْثُهُ مَنْقُولًا، قَيَّدْنَا بِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ أَيَّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَلَيْسَتْ بَيِّنَةُ السُّكُوتِ بِبَيِّنَةِ نَفْيٍ؛ لِأَنَّهُ وُجُودِيٌّ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ الشَّفَتَيْنِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ أَوْ هُوَ نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ فَيُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا تَكَلَّمَ بِمَا هُوَ رِدَّةٌ فِي مَجْلِسٍ فَأَقَامَهَا عَلَى عَدَمِ التَّكَلُّمِ فِيهِ تُقْبَلُ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ الشُّهُودُ: كُنَّا عِنْدَهَا وَلَمْ نَسْمَعْهَا تَتَكَلَّمُ ثَبَتَ سُكُوتُهَا كَمَا فِي الْجَامِعِ وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ أَعْنِي الرَّدَّ فَإِنَّهُ زَائِدٌ عَلَى السُّكُوتِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ ادَّعَى سُكُوتَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إجَازَتَهَا النِّكَاحَ حِينَ أُخْبِرَتْ أَوْ رِضَاهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ وَزِيَادَةِ بَيِّنَتِهِ بِإِثْبَاتِ اللُّزُومِ

وَفِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ بَيِّنَتَهَا أَوْلَى فَتَحَصَّلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَلَعَلَّ وَجْهَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْإِجَازَةِ أَوْ الرِّضَا لَا يَلْزَمُ مِنْهَا كَوْنُهَا بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى السُّكُوتِ وَقَيَّدْنَا الصُّورَةَ بِأَنْ تَقُولَ بَلَغَنِي النِّكَاحُ فَرَدَدْت؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ بَلَغَنِي النِّكَاحُ يَوْمَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ السَّادِسَ عَشَرَ) لَعَلَّهُ الْخَامِسَ عَشَرَ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ هُوَ نَفْيٌ إلَخْ) جَوَابٌ آخَرُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الْمَنْعِ وَاعْتِرَاضُ هَذَا فِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ مُطْلَقًا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ أَوْ لَا اهـ.

وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ الْحَاصِلُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ الْمَقْصُودُ لَا تُقْبَلُ سَوَاءٌ كَانَتْ نَفْيًا صُورَةً أَوْ مَعْنًى سَوَاءٌ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ أَوْ لَا وَسَيَأْتِي تَفَارِيعُهُ فِي الشَّهَادَاتِ. اهـ.

وَذَكَرَ فِي السَّعْدِيَّةِ أَيْضًا هُنَاكَ وَفِي كَوْنِ السُّكُوتِ أَمْرًا وُجُودِيًّا بَحْثٌ فَفِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ السُّكُوتُ تَرْكُ الْكَلَامِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ ادَّعَى سُكُوتَهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سُئِلَ فِي امْرَأَةٍ بِكْرٍ بَالِغَةٍ، زَوْجُهَا فُضُولِيٌّ، ثُمَّ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ فَالزَّوْجُ يَقُولُ بَلَغَك الْخَبَرُ وَأَجَزْتِ النِّكَاحَ وَرَضِيَتْ بِهِ وَهِيَ تَقُولُ لَا بَلْ رَدَدْتُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِدَعْوَاهُ فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا عَلَى بَيِّنَتِهِ أَمْ بِالْقَلْبِ؟ أَجَابَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اللُّزُومَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ بِخِلَافِهِ، وَأَمَّا إذَا أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً عَلَى سُكُوتِهَا فِي صُورَةِ مَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَدِّ النِّكَاحِ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ أَعْنِي الرَّدَّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فَتَنَبَّهْ لِلْفَرْقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>