للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْجَدُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. قُلْنَا: لَا بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ وَلَا تَتَوَفَّرُ إلَّا بَيْنَ الْمُتَكَافِئِينَ عَادَةً وَلَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَأَثْبَتْنَا الْوِلَايَةَ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا إحْرَازًا لِلْكُفْءِ وَالْقَرَابَةُ دَاعِيَةٌ إلَى النَّظَرِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ وَمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ أَظْهَرْنَاهُ فِي سَلْبِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الْخَلَلِ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْبَكَارَةُ وَعِنْدَنَا عَدَمُ الْعَقْلِ أَوْ نُقْصَانُهُ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي مَالِهَا إجْمَاعًا، وَكَذَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَجْنُونَةِ إجْمَاعًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهَا ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا فَكَذَا الصَّغِيرَةُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ إنْكَاحَ الْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ إذَا كَانَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا فَالْمُرَادُ أَنَّ لِلْوَلِيِّ إنْكَاحَ غَيْرِ الْمُكَلَّفَةِ جَبْرًا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الرَّجُلُ إذَا كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ هَلْ يَثْبُتُ لِلْغَيْرِ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ فِي حَالِ جُنُونِهِ؟ إنْ كَانَ يُجَنُّ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ زَوَّجَ ابْنَهُ الْبَالِغَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَجُنَّ الِابْنُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ قَالُوا: يَنْبَغِي لِلْأَبِ أَنْ يَقُولَ أَجَزْت النِّكَاحَ عَلَى ابْنِي؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ إنْشَاءَ النِّكَاحِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْجُنُونِ فَيَمْلِكُ إجَازَتَهُ اهـ.

وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِنْكَاحِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ عَلَى الصَّغِيرَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشُهُودٍ أَوْ بِتَصْدِيقِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا: يُصَدَّقُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ وَالْوَكِيلُ عَلَى مُوَكِّلِهِ ثُمَّ الْوَلِيُّ عَلَى مَنْ يُقِيمُ بَيِّنَةَ الْإِقْرَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالُوا الْقَاضِي يُنَصِّبُ خَصْمًا عَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يُنْكِرَ فَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُنْكِرِ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْأَبُ بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ عَبْدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ خَصْمًا عَنْ الصَّغِيرِ فَتُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مُخَرَّجَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ كَالْوَصِيِّ وَالْمُرَاجِعِ وَالْمَوْلَى وَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَبْسُوطِ قَالَ: وَأَصْلُ كَلَامِهِمْ يُشْكِلُ بِإِقْرَارِ الْوَصِيِّ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ هُوَ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الِاسْتِدَانَةِ اهـ.

وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَلِيَّ بِالْعَصَبَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ أَنَّهُ: (الْعَصَبَةُ) مَنْ أَخَذَ الْكُلَّ إذَا انْفَرَدَ وَالْبَاقِيَ مَعَ ذِي سَهْمٍ، وَهُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُنْصَرِفٌ إلَى الْعَصَبَةِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ ذَكَرٌ يَتَّصِلُ بِلَا تَوَسُّطِ أُنْثَى أَيْ يَتَّصِلُ إلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَلَا يُقَالُ هُنَا إلَى الْمَيِّتِ فَلَا يَرِدُ الْعَصَبَةُ بِالْغَيْرِ كَالْبِنْتِ تَصِيرُ عَصَبَةً بِالِابْنِ فَلَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى أُمِّهَا الْمَجْنُونَةِ، وَكَذَا لَا يَرِدُ الْعَصَبَةُ مَعَ الْغَيْرِ كَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ أَنَّ الْأَحَقَّ الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْمَعْتُوهَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُوهُ ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْأَبُ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْأَخَ وَالْجَدَّ يُشَارِكَانِ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقَدَّمُ الْجَدُّ كَمَا هُوَ الْخِلَافُ فِي الْمِيرَاثِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى بِالتَّزْوِيجِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْأَخُ لِأُمٍّ فَلَيْسَ مِنْهُمْ ثُمَّ ابْنُ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ الشَّقِيقُ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ كَذَلِكَ الشَّقِيقُ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ أَبْنَاءُ عَمِّ الْأَبِ الشَّقِيقِ ثُمَّ أَبْنَاؤُهُ لِأَبٍ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ لِأَبٍ ثُمَّ أَبْنَاءُ عَمٍّ الْجَدِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ أَبْنَاؤُهُ لِأَبٍ وَإِنْ سَفَلُوا كُلُّ هَؤُلَاءِ تَثْبُتُ لَهُمْ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْبِنْتِ وَالذَّكَرِ فِي حَالِ صِغَرِهِمَا وَحَالِ كِبَرِهِمَا إذَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ) وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ عَلَى أَمَتِهِ بِالنِّكَاحِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى الْأَمَةِ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَنَافِعَ بُضْعِهَا. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَوْلَى عَلَى مَنْ يُقِيمُ بَيِّنَةَ الْإِقْرَارِ) مَنْ اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ قَالُوا جَوَابُ اسْتِفْهَامٍ وَمَنْشَؤُهُ قَوْلُهُ قَبْلَهُ إنَّ الْوَلِيَّ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى الصَّغِيرَةِ إلَّا بِشُهُودٍ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُقَامُ عَلَى النِّكَاحِ لَا عَلَى الْإِقْرَارِ نَفْسِهِ فَفِي الْكَلَامِ تَجَوُّزٌ تَأَمَّلْ وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَلِيُّ إلَخْ هَكَذَا فِي النُّسَخِ وَلَا يَصِحُّ وَلَعَلَّ الْعِبَارَةَ ثُمَّ الْمُدَّعِي عَلَى مَنْ يُقِيمُ بَيِّنَةً مَعَ إقْرَارِ الْوَلِيِّ وَعِبَارَةُ النَّهْرِ طَرِيقُ سَمَاعِهَا أَنْ يُنَصِّبَ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الصَّغِيرِ فَيُنْكِرَ فَتُقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ اهـ. تَأَمَّلْ كَلَامَ الرَّمْلِيِّ.

قُلْتُ: وَفِي الْبَدَائِعِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَدَّعِيَ امْرَأَةٌ نِكَاحَ الصَّغِيرِ أَوْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ وَالْأَبُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَيُقِيمُ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْأَبِ بِالنِّكَاحِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ وَيَظْهَرُ النِّكَاحُ.

وَالثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ أَوْ امْرَأَةٌ نِكَاحَ الصَّغِيرِ بَعْدَ بُلُوغِهِمَا وَهُمَا يُنْكِرَانِ ذَلِكَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْأَبِ بِالنِّكَاحِ فِي حَالِ الصِّغَرِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى نَفْسِ النِّكَاحِ فِي حَالِ الصِّغَرِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ ذَكَرٌ يَتَّصِلُ بِلَا تَوَسُّطِ أُنْثَى) قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ مَنْ يَأْخُذُ الْمَالَ إذَا انْفَرَدَ وَالْبَاقِيَ مَعَ ذِي سَهْمٍ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَعْرِيفِهِ بِذَكَرٍ يَتَّصِلُ بِلَا وَاسِطَةِ أُنْثَى كَمَا فِي الْبَحْرِ إذْ الْمُطَلَّقَةُ لَهَا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>