للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَتْ لَهُ: أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ وَلَا وَلِيَّ لِي فَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي النِّكَاحِ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ لَهَا وَلِيًّا، وَمَا نُقِلَ فِيهِ مِنْ إقَامَتِهَا الْبَيِّنَةَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَمَا نُقِلَ مِنْ قَوْلِ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ لَهَا الْقَاضِي إنْ لَمْ تَكُونِي قُرَشِيَّةً وَلَا عَرَبِيَّةً وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ وَلَا مُعْتَدَّةً فَقَدْ أَذِنْتُ لَك فَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مَحْمُولَانِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ

وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَمَعْلُومُ الِاشْتِرَاطِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ كَذِبِهَا بِأَنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ، أَمَّا إنْ كَانَتْ صَادِقَةً فِي عَدَمِ الْوَلِيِّ فَلَيْسَا بِشَرْطَيْنِ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ وَصِيَّ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا وَلَا حَاكِمًا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ سَوَاءٌ كَانَ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ جَازَ لَهُ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ الْمُوصِي ذَلِكَ، رِوَايَةُ هِشَامٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَاسْتَثْنَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا إذَا كَانَ الْمُوصِي عَيَّنَ رَجُلًا فِي حَيَاتِهِ لِلتَّزْوِيجِ فَيُزَوِّجُهَا الْوَصِيُّ كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي حَيَاتِهِ بِتَزْوِيجِهَا اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ زَوَّجَهَا مِنْ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَدْ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِهِ وَانْقَطَعَتْ وِلَايَتُهُ فَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ عِنْدَ عَدَمِ قَرِيبٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَنْ يَعُولُ صَغِيرًا أَوْ صَغِيرَةً لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُمَا.

(قَوْلُهُ وَلِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إلَى مَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى الْأَبْعَدِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَاكِمِ كَمَا إذَا مَاتَ الْأَقْرَبُ، وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْغَيْبَةِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَقْصَاهَا غَايَةٌ فَاعْتُبِرَ بِأَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاخْتَارَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِفَوْتِ الْكُفْءِ الْخَاطِبِ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْفَضْلِ وَفِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَتِهِ حِينَئِذٍ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامَ الْأُسْتَاذُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَكْثَرِ الْمَشَايِخِ اهـ.

وَهُنَا أَقْوَالٌ أُخَرُ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصْحِيحَ قَدْ اخْتَلَفَ وَالْأَحْسَنُ الْإِفْتَاءُ بِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ فَرَّعَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخْتَفِيًا بِالْمَدِينَةِ بِحَيْثُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ تَكُونُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ النَّظَرُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ الْأَبْعَدُ إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ بِالْمَدِينَةِ مُخْتَفِيًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ ذِكْرِ سَلْبِ وِلَايَةِ الْأَقْرَبِ إلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ مَعَ الْغَيْبَةِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ حَيْثُ هُوَ، اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْجَوَازُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ زُوِّجَا مَعًا أَوْ لَا يُدْرَى السَّابِقُ مِنْ

ــ

[منحة الخالق]

لَا يَتَوَقَّفُ الْعَقْدُ لَا يُقَالُ السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي مُجِيزٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُمْكِنُ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا قَاضِيَ فِيهِ كَدَارِ الْحَرْبِ مَثَلًا اهـ. تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ الْحَمْلُ لَا يَتَأَتَّى وُجُودُهُ إلَّا عَلَى فَرْضِ كَذِبِهَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ لَا مَعَ عَدَمِهِ كَمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

(قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ زَوَّجَهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: فِي الذَّخِيرَةِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إنْكَاحِ الصَّغِيرَةِ سَوَاءٌ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ بِالنِّكَاحِ أَوْ لَمْ يُوصِ إلَّا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ وَلِيًّا وَحِينَئِذٍ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ رَوَى هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يُوصِيَ إلَيْهِ بِذَلِكَ فَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَإِنْ أَوْصَى إلَيْهِ بِهِ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ عَيَّنَ الْمُوصِي رَجُلًا مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ رِوَايَةِ هِشَامٍ فَإِنَّهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إذَا كَانَ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمُوصِي أَحَدًا فَفِيمَا إذَا عَيَّنَ ذَلِكَ أَوْلَى فَمَا فِي الْفَتْحِ مُلَفَّقٌ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ.

(قَوْلُهُ وَالْأَحْسَنُ الْإِفْتَاءُ بِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ) أَيْ مِنْ تَقْدِيرِ الْغَيْبَةِ بِمُدَّةٍ يَفُوتُ فِيهَا الْكُفْءُ الْخَاطِبُ، وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ اهـ.

وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُهُ عَنْ الْهِدَايَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَقَى وَالِاخْتِيَارِ وَالنُّقَايَةِ قُلْتُ: وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْخَاطِبِ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْخَاطِبُ بِالْفِعْلِ أَوْ جِنْسُ الْخَاطِبِ؟ وَالْمُتَبَادِرُ الْأَوَّلُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخَاطِبُ بِالشَّامِ وَالْوَلِيُّ بِمِصْرَ فَإِنْ رَضِيَ الْخَاطِبُ أَنْ يَنْتَظِرَ إلَى اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ لَمْ يَصِحَّ لِلْأَبْعَدِ الْعَقْدُ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ مَا فَرَّعَهُ قَاضِي خَانْ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الْخَاطِبِ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ مِنْ عَدَمِ انْتِظَارِ الْمُخْتَفِي إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْخَاطِبَ بِالْفِعْلِ لَكَانَ الْأَمْرُ مُتَوَقِّفًا عَلَى سُؤَالِهِ، وَأَنَّهُ هَلْ يَنْتَظِرُ أَوْ لَا؟ فَلَعَلَّهُ يَنْتَظِرُ أَيَّامًا رَجَاءَ ظُهُورِهِ فَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي عَدِّ ذَلِكَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ خَاطِبًا مَخْصُوصًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّهُ مَعَ الِاخْتِفَاءِ لَا يَنْتَظِرُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمُدَّتِهِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ، فَقَالَ الْفَضْلِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا إنَّ مُدَّتَهَا مَا لَمْ يَنْتَظِرْ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ حُضُورَهُ أَوْ خَيَّرَهُ الْمُجَوِّزُ لِلنِّكَاحِ أَوْ غَيْرُ الْمُجَوِّزِ فَلَوْ انْتَظَرَهُ الْخَاطِبُ لَمْ يَنْكِحْ الْأَبْعَدُ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>