وَلِيٌّ لَمْ يَرْضَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا يُفِيدُ الرِّضَا بَعْدَهُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَا الْوَلِيِّ لَكَانَ أَوْلَى، وَأَمَّا تَمْكِينُهَا مِنْ الْوَطْءِ فَعَلَى الْمُفْتَى بِهِ هُوَ حَرَامٌ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ، وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا اهـ.
وَلَا تُمَكِّنُهُ مِنْ الْوَطْءِ حَتَّى يَرْضَى الْوَلِيُّ هَكَذَا اخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَإِنْ كَانَ هَذَا خِلَافَ ظَاهِرِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّةِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُولَ إنَّمَا تَزَوَّجْت بِك رَجَاءَ أَنْ يُجِيزَ الْوَلِيُّ وَالْوَلِيُّ عَسَى يُخَاصِمُ فَيُفَرِّقُ بَيْنَنَا فَيَصِيرُ هَذَا وَطْئًا بِشُبْهَةٍ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَفْتَوْا بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا اهـ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَشَايِخِ أَفْتَوْا بِانْعِقَادِهِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ
وَأَطْلَقَ فِي الْوَلِيِّ فَانْصَرَفَ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ الْعَصَبَةُ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ لَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ عَلَيْهَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَلَا يَدْخُلُ ذُو الْأَرْحَامِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَلَا الْأُمُّ وَلَا الْأُخْتُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَاَلَّذِي يَلِي الْمُرَافَعَةَ هُوَ الْمَحَارِمُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ الْمَحَارِمُ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
يَعْنِي: لَا فَرْقَ فِي الْعَصَبَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا أَوْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ غَيْرَ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَا الْوَلِيِّ بَعْدَ مَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ أَوَّلًا مِنْهُ بِرِضَاهَا وَفَارَقَتْهُ فَلِلْوَلِيِّ التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْأَوَّلِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ فَتَزَوَّجَتْ رَجُلًا ثُمَّ أَعَادَهَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَثْبَتَ الْقَاضِي نَسَبَهَا مِنْهُ وَجَعَلَهَا بِنْتًا لَهُ وَزَوَّجَهَا حَجَّامًا فَلِهَذَا الْأَبِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَكِنْ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لِمَوْلَاهَا أَنْ يُبْطِلَ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ زَوَّجَ أَمَةً لَهُ صَغِيرَةً رَجُلًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا بِنْتُهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالنِّكَاحُ عَلَى حَالِهِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا فَهُوَ فِي الْقِيَاسِ لَازِمٌ وَلَوْ بَاعَهَا ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهَا بِنْتُهُ فَكَذَلِكَ اهـ.
وَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمُسَمَّى وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا النَّفَقَةُ فِيهَا وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ كَالدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ هَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى انْعِقَادِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ غَيْرَ كُفْءٍ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا هَذَا الزَّوْجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ثُمَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ عَلَى الزَّوْجِ كُلُّ الْمَهْرِ الثَّانِي وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا مَهْرَ عَلَى الزَّوْجِ وَعَلَيْهَا بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ الْأُولَى، وَذَكَرَ لَهَا نَظَائِرَ تَأْتِي فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فِيمَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ الثَّانِي فَاسِدًا وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ لَهُ الْمُرَاجَعَةَ إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا بَعْدَ مَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
(قَوْلُهُ وَرِضَا الْبَعْضِ كَالْكُلِّ) أَيْ وَرِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ كَرِضَا كُلِّهِمْ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ كَالْكُلِّ كَمَا إذَا أَسْقَطَ أَحَدُ الدَّائِنِينَ حَقَّهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ. وَلَهُمَا: أَنَّهُ حَقٌّ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ عَلَى الْكَمَالِ كَوِلَايَةِ الْأَمَانِ قَيَّدْنَا بِالِاسْتِوَاءِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا رَضِيَ الْأَبْعَدُ فَإِنَّ لِلْأَقْرَبِ الِاعْتِرَاضَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَ بِالرِّضَا؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِأَنَّهُ كُفْءٌ مِنْ الْبَعْضِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ مَنْ أَنْكَرَهَا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ أَنَّ الزَّوْجَ كُفْءٌ وَأَثْبَتَ الْآخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالتَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ يُنْكِرُ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَإِنْكَارُ سَبَبِ وُجُوبِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إسْقَاطًا لَهُ اهـ.
وَفِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ أَقَامَ وَلِيُّهَا شَاهِدَيْنِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَوْ أَقَامَ زَوْجُهَا بِالْكَفَاءَةِ قَالَ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ، ذَكَرَهُ عَنْ الْقَاضِي بَدِيعِ الدِّينِ فِي الشَّهَادَةِ وَأَطْلَقَ فِي الرِّضَا فَشَمِلَ مَا إذَا
ــ
[منحة الخالق]
لَمْ يَرْضَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ عَدَمَ الصِّحَّةِ الْمُفْتَى بِهِ بِمَا إذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ أَحْيَاءٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا كَانَ عَلَى مَا وَجَّهَ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ أَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ سَقَطَ بِرِضَاهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ اهـ.
قُلْتُ: قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ، وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا.