رَضِيَ بَعْضُهُمْ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ رَضِيَ بِهِ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ
وَقَدْ قَدَّمْنَا بَحْثًا فِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ رَضِيت بِتَزَوُّجِك مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا أَوْ قَالَ رَضِيت بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ رِضًا مُعْتَبَرًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ. (قَوْلُهُ وَقَبْضُ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ رِضًا) ؛ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ وَأَرَادَ بِنَحْوِهِ كُلَّ فِعْلٍ دَلَّ عَلَى الرِّضَا، وَأَطْلَقَ فِي قَبْضِ الْمَهْرِ فَشَمِلَ مَا إذَا جَهَّزَهَا بِهِ أَوْ لَا، أَمَّا إنْ جَهَّزَهَا بِهِ فَهُوَ رِضًا اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يُجَهِّزْهَا فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ رِضًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَدَخَلَ فِي نَحْوِهِ مَا إذَا خَاصَمَ الزَّوْجَ فِي نَفَقَتِهَا وَتَقْرِيرِ مَهْرِهَا عَلَيْهِ بِوَكَالَةٍ مِنْهَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا وَتَسْلِيمًا لِلْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا إذَا كَانَ عَدَمُ الْكَفَاءَةِ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ مُخَاصَمَةِ الْوَلِيِّ إيَّاهُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَدَمُ الْكَفَاءَةِ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ مُخَاصَمَةِ الْوَلِيِّ إيَّاهُ لَا يَكُونُ رِضًا بِالنِّكَاحِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ لَا السُّكُوتُ) أَيْ لَا يَكُونُ سُكُوتُ الْوَلِيِّ رِضًا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُجْعَلُ رِضًا إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا وَلَدَتْ فَلَهُ حَقُّ الْفَسْخِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ كَمَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَكَمَا فِي الْمِعْرَاجِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّارِحُونَ بِعَدَمِ الْوِلَادَةِ فَلَوْ وَلَدَتْ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَلِذَا اخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَكَأَنَّهُ لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالْفَسْخِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَبَلُ الظَّاهِرُ كَالْوِلَادَةِ وَشَمِلَ مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ امْرَأَةً تَحْتَ رَجُلٍ هُوَ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهَا فَخَاصَمَهُ أَخُوهَا فِي ذَلِكَ وَأَبُوهَا غَائِبٌ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً أَوْ خَاصَمَهُ وَلِيٌّ آخَرُ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ الْوَلِيَّ الْأَوْلَى زَوَّجَهُ يُؤْمَرُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَأَجَزْتهَا عَلَى الْأَوْلَى يَعْنِي الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا خَصْمٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ نَسَبًا فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ وَالْعَرَبُ أَكْفَاءٌ وَحُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ وَدِيَانَةً وَمَالًا وَحِرْفَةً) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَقَعُ بِهَا التَّفَاخُرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ ابْتِدَاء الْعَقْدِ وَزَوَالُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ كُفْءٌ لَهَا ثُمَّ صَارَ فَاجِرًا دَاعِرًا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ اعْتِبَارَهَا فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ النَّسَبُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَأَمَّا الْعَرَبُ فَهُمْ خِلَافُ الْعَجَمِ وَاحِدُهُمْ عَرَبِيٌّ وَالْأَعْرَابُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَاحِدُهُمْ أَعْرَابِيٌّ وَجَمْعُ الْأَعْرَابِ أَعَارِيبُ، وَقِيلَ الْعَرَبُ جَمْعُ عَرَبَةٍ بِالْهَاءِ وَهِيَ النَّفْسُ وَالْعَرَبِيُّ أَيْضًا الْمَنْسُوبُ إلَى الْعَرَبِ قَالَ تَعَالَى {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: ٢] كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ وَفِيهِ: التَّقَرُّشُ الِاكْتِسَابُ وَالتَّقَرُّشُ التَّجَمُّعُ وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ لِاجْتِمَاعِهِمْ بِمَكَّةَ وَتَقَرَّشَ الرَّجُلُ إذَا انْتَسَبَ إلَى قُرَيْشٍ اهـ.
ثُمَّ الْقُرَشِيَّانِ مِنْ جَمْعِهِمَا أَبٌ هُوَ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ فَمَنْ دُونَهُ وَمَنْ لَمْ يُنْسَبْ إلَّا لِأَبٍ فَوْقَهُ فَهُوَ عَرَبِيٌّ غَيْرُ قُرَشِيٍّ وَالنَّضْرُ هُوَ الْجَدُّ الثَّانِي عَشَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ فِي نَسَبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَدْنَانَ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ الْخُلَفَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ لِانْتِسَابِهِمْ إلَى النَّضْرِ فَمَنْ دُونَهُ وَلَيْسَ فِيهِمْ هَاشِمِيٌّ إلَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ الْجَدَّ الْأَوَّلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَدُّهُ فَإِنَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ مِنْ أَوْلَادِ هَاشِمٍ
وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَدِّ السَّادِسِ وَهُوَ مُرَّةُ فَإِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ. وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَدِّ السَّابِعِ وَهُوَ كَعْبٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَوَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَعْدٍ وَرِيَاحٌ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَأَجَزْتهَا عَلَى الْأَوْلَى) ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ فِي قَوْلِهِ وَأَجَزْتهَا لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الذَّخِيرَةِ مُصَدَّرَةٌ بِقَوْلِهِ فِي الْمُنْتَقَى إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي امْرَأَةٍ تَحْتَ رَجُلٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ يَعْنِي الْأَوَّلَ الَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ يَعْنِي عَلَى الْوَلِيِّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute