بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْيَاءِ تَحْتَهَا نُقْطَتَانِ، وَأَمَّا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَدِّ الثَّالِثِ وَهُوَ عَبْدُ مَنَافٍ فَإِنَّهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ هَاشِمِيَّةٌ قُرَشِيًّا غَيْرَ هَاشِمِيٍّ لَمْ يُرَدَّ عَقْدُهَا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ عَرَبِيًّا غَيْرَ قُرَشِيٍّ لَهُمْ رَدُّهُ كَتَزْوِيجِ الْعَرَبِيَّةِ عَجَمِيًّا، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ عُثْمَانَ وَهُوَ أُمَوِيٌّ لَا هَاشِمِيٌّ» وَزَوَّجَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنْتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ مِنْ عُمَرَ وَكَانَ عَدَوِيًّا لَا هَاشِمِيًّا فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ بِالْخِلَافَةِ حَتَّى لَا يُكَافِئَ أَهْلُ بَيْتِ الْخِلَافَةِ غَيْرَهُمْ مِنْ الْقُرَشِيِّينَ، هَذَا إنْ قُصِدَ بِهِ عَدَمُ الْمُكَافَأَةِ لَا إنْ قُصِدَ بِهِ تَسْكِينُ الْفِتْنَةِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِيِّ لَا يُكَافِئُ الْعَرَبِيَّ وَإِنْ كَانَ حَسِيبًا أَوْ عَالِمًا لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي جَامِعِهِ قَالُوا الْحَسِيبُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلنَّسِيبِ فَالْعَالِمُ الْعَجَمِيُّ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْجَاهِلِ الْعَرَبِيِّ وَالْعَلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ فَوْقَ شَرَفِ النَّسَبِ وَالْحَسَبُ مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ الْحَسِيبُ الَّذِي لَهُ جَاهٌ وَحِشْمَةٌ وَمَنْصِبٌ وَفِي الْيَنَابِيعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ كُفُؤًا لِلْعَلَوِيَّةِ، وَأَصْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الَّذِي أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ إذَا أَحْرَزَ مِنْ الْفَضَائِلِ مَا يُقَابِلُ نَسَبَ الْآخَرِ كَانَ كُفُؤًا لَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكُلُّهُ تَفَقُّهَاتُ الْمَشَايِخِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَجَمِيَّ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ أَفْضَلُ النَّاسِ نَسَبًا بَنُو هَاشِمٍ ثُمَّ قُرَيْشٌ ثُمَّ الْعَرَبُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ النَّاسِ الْعَرَبَ وَمِنْ الْعَرَبِ قُرَيْشًا وَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ وَاخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمَوَالِيَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْلَى هُنَا مَا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ؛ لِأَنَّ الْعَجَمَ لَمَّا ضَلُّوا أَنْسَابَهُمْ كَانَ التَّفَاخُرُ بَيْنَهُمْ فِي الدِّينِ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَوْ؛ لِأَنَّ بِلَادَهُمْ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِأَيْدِي الْعَرَبِ فَكَانَ لِلْعَرَبِ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَإِذَا تَرَكُوهُمْ أَحْرَارًا فَكَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُمْ وَالْمَوَالِي هُمْ الْمُعْتَقُونَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ هَاشِمِيَّةٌ قُرَشِيًّا غَيْرَ هَاشِمِيٍّ لَمْ يُرَدَّ عَقْدُهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْفَيْضِ لِلْكَرْكِيِّ وَالْقُرَشِيُّ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْهَاشِمِيِّ اهـ.
وَمِثْلُ مَا فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي التَّبْيِينِ وَكَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ وَغَالِبِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَلَعَلَّ كَلِمَةَ لَا فِي الْفَيْضِ مِنْ زِيَادَةِ النُّسَّاخِ تَنْسُبُهُ. (قَوْلُهُ فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ وَمُنْلَا مِسْكِينٍ وَالنَّهْرِ وَكَثِيرٍ أَنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْ (قَوْلِهِ قَالُوا الْحَسِيبُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَخْفَى عَلَى أَخِي الْفَقِهِ مَا فِي قَوْلِهِ قَالُوا مِنْ التَّبَرِّي تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَكُلُّهُ تَفَقُّهَاتُ الْمَشَايِخِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى الْعَالِمُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ شَرَفَ الْحَسَبِ أَقْوَى مِنْ شَرَفِ النَّسَبِ وَعَنْ هَذَا قِيلَ إنَّ عَائِشَةَ أَفْضَلُ مِنْ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّ لِعَائِشَةَ شَرَفَ الْعِلْمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ أَقُولُ: وَقَدْ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَارْتَضَاهُ كَمَا ارْتَضَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَدْ ارْتَضَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَيْضِ وَجَامِعِ الْفَتَاوَى، وَذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِصِيغَةِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَقَدْ جَعَلَهُ صَاحِبُ الْغُرَرِ مَتْنًا وَفِي تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ الْعَجَمِيُّ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ عَالِمًا وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ نَقْلًا عَنْ الْيَنَابِيعِ أَقُولُ: وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ الْبَحْرِ فَتَحَرَّرَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا وَلَكِنْ حَيْثُ صَحَّ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُكَافِئُهَا فَهُوَ الْمَذْهَبُ وَخُصُوصًا، وَقَدْ نَصَّ فِي الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ.
أَقُولُ: الثَّابِتُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَجَمِيَّ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيَّةِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقَ لَكِنْ قَيَّدَهُ الْمَشَايِخُ بِغَيْرِ الْعَالِمِ، وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرٍ حَيْثُ يَكُونُ اللَّفْظُ مُطْلَقًا فَيَحْمِلُونَهُ عَلَى بَعْضِ مَدْلُولَاتِهِ أَخْذًا مِنْ قَوَاعِدَ مَذْهَبِيَّةٍ أَوْ مَسَائِلَ فَرْعِيَّةٍ أَوْ أَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْ عَقْلِيَّةٍ، وَقَدْ أَفْتَى فِي آخِرِ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ فِي قُرَشِيٍّ جَاهِلٍ تَقَدَّمَ عَلَى عَالِمٍ فِي مَجْلِسٍ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ إذْ كُتُبُ الْعُلَمَاءِ طَافِحَةٌ بِتَقَدُّمِ الْعَالِمِ عَلَى الْقُرَشِيِّ وَلَمْ يُفَرِّقْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ الْقُرَشِيِّ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩] إلَخْ وَحَيْثُ جَزَمَ بِهَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَالْمُحِيطِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْفَيْضِ وَارْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا مَا صَحَّحَهُ فِي الْيَنَابِيعِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْحَسِيبِ بِذِي الْمَنْصِبِ وَالْجَاهِ لَا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالْعَالِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ أَفْضَلُ النَّاسِ نَسَبًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَهِمَ صَاحِبُ النَّهْرِ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ دَلِيلًا لِمُدَّعَاهُ، فَقَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ إذْ كَوْنُ شَرَفِ الْحَسَبِ يُوَازِي شَرَفَ النَّسَبِ لَا يُنَافِي كَوْنَ بَنِي هَاشِمٍ أَفْضَلَ نَسَبًا. نَعَمْ الْحَسِيبُ قَدْ يُرَادُ بِهِ ذُو الْمَنْصِبِ وَالْجَاهِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي الْمُحِيطِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا لَيْسَ كُفُؤًا لِلْعَلَوِيَّةِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ اهـ.
وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّهُ وَإِنْ ذَكَرَهُ تِلْوَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَوْرَدَهُ لِذَلِكَ بَلْ لِفَائِدَةِ مَعْرِفَةِ التَّفَاضُلِ فِي الْأَنْسَابِ وَإِلَّا يُشْكِلُ بِتَأْخِيرِ قُرَيْشٍ عَنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَدْ عَلِمْت فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ هَاشِمِيَّةٌ قُرَشِيًّا لَمْ يُرَدَّ عَقْدُهَا تَأَمَّلْ