للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ؛ لِأَنَّهُمْ نَصَرُوا الْعَرَبَ عَلَى قَتْلِ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالنَّاصِرُ يُسَمَّى مَوْلًى قَالَ تَعَالَى {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: ١١] كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ النَّسَبَ الْمُعْتَبَرَ هُنَا خَاصٌّ بِالْعَرَبِ، وَأَمَّا الْعَجَمُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمْ وَلِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ كُفُؤًا لِبَعْضٍ، وَأَمَّا مُعْتَقُ الْعَرَبِيِّ فَهُوَ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِمُعْتَقِ الْعَجَمِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْعَرَبِ فَأَفَادَ أَنَّ بَنِي بَاهِلَةَ كُفْءٌ لِبَقِيَّةِ الْعَرَبِ غَيْرِ قُرَيْشٍ وَفِي الْهِدَايَةِ وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِأَكْفَاءٍ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ. قَالُوا: لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَخْرِجُونَ النُّقِيَّ مِنْ عِظَامِ الْمَوْتَى وَيَطْبُخُونَ الْعِظَامَ وَيَأْخُذُونَ الدُّسُومَاتِ مِنْهَا وَيَأْكُلُونَ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَعْلَمَ بِقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَقَدْ أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ «الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ وَكَوْنُ فَصِيلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ بَطْنٍ صَعَالِيكَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ اهـ.

فَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ وَبَاهِلَةُ فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ وَالتَّأْنِيثُ لِلْقَبِيلَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْأَصْلِ اسْمَ رَجُلٍ أَوْ اسْمَ امْرَأَةٍ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ فِي الدِّيوَانِ الْبَاهِلَةُ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبِيلَةِ الْقَيْسِ وَفِي الْقَامُوسِ، بَاهِلَةُ: قَوْمٌ.

وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ أَعْنِي الْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ فَهُمَا مُعْتَبَرَانِ فِي حَقِّ الْعَجَمِ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْتَخِرُونَ بِهِمَا دُونَ النَّسَبِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ عَيْبٌ، وَكَذَا الرِّقُّ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُهُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ زَوَالُ الْعَيْبِ فَيُفْتَخَرُ بِهِمَا دُونَ النَّسَبِ فَلَا يَكُونُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يَكُونُ مَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا آبَاءٌ كَثِيرَةٌ فِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ أَيْ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَهِيَ نَظِيرُ الْإِسْلَامِ فِيمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ كُفُؤًا لِحُرَّةِ الْأَصْلِ، وَكَذَا الْمُعْتَقُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ وَالْمُعْتَقُ أَبُوهُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْحُرِّيَّةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَبْدَ كُفْءٌ لِلْمُعْتَقَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَفِي الْمُجْتَبَى مُعْتَقَةُ الشَّرِيفِ لَا يُكَافِئُهَا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا مُعْتَقًا وَأُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا يُكَافِئُهَا الْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَثَرَ الرِّقِّ وَهُوَ الْوَلَاءُ وَالْمَرْأَةُ لَمَّا كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ كَانَتْ هِيَ حُرَّةَ الْأَصْلِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ كُفُؤًا لِمَنْ عَتَقَ بِنَفْسِهِ اهـ.

قَيَّدْنَا اعْتِبَارَهُمَا فِي حَقِّ الْعَجَمِ لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ اتَّفَقُوا أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَفَاخَرُونَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَتَفَاخَرُونَ بِالنَّسَبِ اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَ عَرَبِيٌّ لَهُ أَبٌ كَافِرٌ بِعَرَبِيَّةٍ لَهَا آبَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ كُفْءٌ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَعَلَى هَذَا فَالنَّسَبُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْعَرَبِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ فَمُعْتَبَرَانِ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ فَالْحُرِّيَّةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ أَيْضًا، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَمُعْتَبَرٌ فِي الْعَجَمِ فَقَطْ وَفِي الْقُنْيَةِ رَجُلٌ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ كُفْءٌ لِمَنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا رِدَّةٌ. اهـ.

وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ الدِّيَانَةُ فَفَسَّرَهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِالتَّقْوَى وَالزُّهْدِ وَالصَّلَاحِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَالدِّينِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ وَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَوَّلِ إسْلَامُ الْآبَاءِ وَهُنَا إسْلَامُ الزَّوْجِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الزَّوْجِ لَيْسَ مِنْ الْكَفَاءَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطُ جَوَازِ النِّكَاحِ وَاعْتِبَارُ التَّقْوَى فِيهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْمَفَاخِرِ وَالْمَرْأَةُ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضَعَةِ نَسَبِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا تُبْتَنَى أَحْكَامُ الدُّنْيَا عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ إلَى الْأَسْوَاقِ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَعَلَّهُ الْمُحِيطُ الْبُرْهَانِيُّ فَإِنَّهُ لَمْ أَجِدْهُ فِي الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَصْحِيحُ الْهِدَايَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لَا يُكَافِئُهَا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ أَمَّا الْمُوَالِي فَإِنَّهُ يُكَافِئُهَا) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مُعْتَقَةُ أَشْرَفِ الْقَوْمِ تَكُونُ كُفُؤًا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهَا شَرَفَ الْوَلَاءِ وَلِلْمُوَالِي شَرَفَ إسْلَامِ الْآبَاءِ. (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بَحْثٌ لَهُ وَرَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ مَا صُورَتُهُ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَالْمَرْأَةُ مُعْتَقَةٌ أَنَّهُ كُفْءٌ لَهَا اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ أَسْلَمَتْ وَالرَّجُلُ مُعْتَقٌ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ إسْلَامُهُ طَارِئًا بَلْ يَكُونُ مُسْلِمَ الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ أَبُوهُ إسْلَامُهُ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ هُوَ وَحْدَهُ أَمَّا لَوْ كَانَ إسْلَامُهُ طَارِئًا فَيَكُونُ فِيهِ أَثَرُ الْكُفْرِ وَأَثَرُ الرِّقِّيَّةِ مَعًا فَلَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْحُرَّةِ الَّتِي أَسْلَمَتْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا فَالنَّسَبُ مُعْتَبَرٌ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّ النَّسَبَ مُعْتَبَرٌ فِي الْعَرَبِ فَقَطْ وَإِسْلَامُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فِي الْعَجَمِ فَقَطْ وَالْجِزْيَةُ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَكَذَا إسْلَامُ نَفْسِ الزَّوْجِ.

(قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ)

<<  <  ج: ص:  >  >>