مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ لِلتَّبَرُّدِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُتَوَضِّئُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ التَّعْلِيلُ لِمُحَمَّدٍ بِعَدَمِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْوِيٍّ عَنْهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مُفْسِدَةٌ لَهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْجُنُبِ يَدْخُلُ الْبِئْرَ لِطَلَبِ الدَّلْوِ وَمِنْ شَرْطِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةِ الْبِئْرِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ لَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ أَوْ الْمُحْدِثُ يَدَهُ فِي الْمَاءِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُصَيِّرَهُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمْ لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ وَلَكِنْ سَقَطَ لِلْحَاجَةِ اهـ.
وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ وَالْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ نَصَّا، وَإِنَّمَا مَسَائِلُهُمْ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ لَكِنْ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ صَحِيحٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ الْمَاءِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ بِهِ لَا بِاعْتِبَارِ تَحَوُّلِ نَجَاسَةٍ حُكْمِيَّةٍ إلَى الْمَاءِ وَعِنْدَهُمَا تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تُحَوَّلُ إلَيْهِ نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ، وَفِي الْحَالَيْنِ تُحَوَّلُ إلَى الْمَاءِ نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَأَوْجَبَ تَغَيُّرَهُ اهـ.
وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْخِلَافِ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَعَزَاهُ الْهِنْدِيُّ إلَى صَلَاةِ الْأَثَرِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَخَذَ الْمَاءَ بِفَمِهِ، وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يُرِيدُ الْمَضْمَضَةَ فَغَسَلَ يَدَهُ بِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ غَسْلِ الْيَدِ وَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ، وَإِنْ زَالَ الْحَدَثُ عَنْ الْفَمِ لَكِنْ يُقَالُ مِنْ جِهَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ إنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِالِاسْتِعْمَالِ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ لَا تُوجِبُ الِاسْتِعْمَالَ، وَقَدْ عَلَّلَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ لَمْ يَحْكُمْ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الَّذِي نَعْقِلُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّقَرُّبِ الْمَاحِي لِلسَّيِّئَاتِ وَالْإِسْقَاطِ مُؤَثِّرٌ فِي التَّغَيُّرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ انْفَرَدَ وَصْفُ التَّقَرُّبِ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَأَثَّرَ التَّغَيُّرُ حَتَّى حَرُمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَأَيْنَا الْأَثَرَ عِنْدَ ثُبُوتِ وَصْفِ الْإِسْقَاطِ مَعَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَشَدُّ فَحَرُمَ عَلَى قَرَابَتِهِ النَّاصِرَةِ لَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ لِلْأَثَرِ تَغَيُّرًا شَرْعِيًّا وَبِهَذَا يَبْعُدُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّهُ التَّقَرُّبُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ هَذَا مَذْهَبَهُ كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. اهـ.
وَلَوْ غَسَلَ يَدَهُ لِلطَّعَامِ أَوْ مِنْهُ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ بِهِ قُرْبَةً؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَلَوْ غَسَلَ يَدَهُ مِنْ الْوَسَخِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِعَدَمِ إزَالَةِ الْحَدَثِ وَإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَضِّئًا وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَوْلُهُ فِيمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ قُرْبَةً يُفِيدُ أَنَّهُ قَصَدَ إقَامَةَ السُّنَّةِ فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَفِيهِ لَوْ وَصَلَتْ شَعْرَ آدَمِيٍّ إلَى ذُؤَابَتِهَا فَغَسَلَتْ ذَلِكَ الشَّعْرَ الْوَاصِلَ لَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَ إنْسَانٍ مَقْتُولٍ قَدْ بَانَ مِنْهُ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ إذَا وُجِدَ مَعَ الْبَدَنِ ضُمَّ إلَى الْبَدَنِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَنِ وَالشَّعْرُ لَا يُضَمُّ مَعَ الْبَدَنِ فَبِالِانْفِصَالِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حُكْمُ الْبَدَنِ فَلَا تَكُونُ غُسَالَتُهُ مُسْتَعْمَلَةً قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: وَهَذَا الْفَرْقُ يَأْتِي عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ إنَّ شَعْرَ الْآدَمِيِّ لَيْسَ بِنَجِسٍ أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَتَأَتَّى، فَإِنَّهُ نَجِسٌ يُنَجِّسُ الْمَاءَ اهـ.
وَفِي الْمُبْتَغَى وَغَيْرِهِ وَبِتَعْلِيمِ الْوُضُوءِ لِلنَّاسِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الصَّلَاةَ بَلْ أَرَادَ تَعْلِيمَهُ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيمَ قُرْبَةٌ فَإِذَا قَصَدَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلطَّعَامِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الصَّلَاةَ بَلْ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ النَّقْلِيَّةِ أَوَّلًا أَنَّ الْقُرْبَةَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي التَّعْلِيمِ الْمَقْصُودِ ثَوَابًا، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِقُرْبَةٍ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالِهِ إنَّمَا هِيَ بِسَبَبِ تَعْلِيمِهِ؛ وَلِذَا لَوْ عَلَّمَهُ بِالْقَوْلِ اُسْتُغْنِيَ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ بِخِلَافِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ مِنْ الطَّعَامِ، فَإِنَّ الْقُرْبَةَ فِيهِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِاسْتِعْمَالِهِ فَافْتَرَقَا.
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَغُسَالَةُ الْمَيِّتِ نَجِسَةٌ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْإِسْقَاطُ مُؤَثِّرٌ فِي التَّغَيُّرِ) مَعْطُوفٌ عَلَى التَّقَرُّبِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا) فِي النَّهْرِ قَالَ وَعَلَيْهِ فَتَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَغَسْلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَنَحْوِهِمَا وَفِي ذَلِكَ تَرَدُّدٌ اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: لَا تَرَدُّدَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا وَقَصَدَ بِغَسْلِ الْأَنْفِ وَالْفَمِ وَنَحْوِهِمَا مُجَرَّدَ التَّنْظِيفِ وَإِزَالَةَ الدَّرَنِ وَالْوَسَخِ لَا إقَامَةَ الْقُرْبَةِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا تَأَمَّلْ اهـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النِّيَّةُ كَمَا تَكُونُ مُفَصَّلَةً تَكُونُ مُجْمَلَةً وَكَمَا تَكُونُ قَصْدِيَّةً تَكُونُ ضِمْنِيَّةً فَإِذَا نَوَى الْوُضُوءَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ دَخَلَ نَحْوُ ذَلِكَ فِيهِ ضِمْنًا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْبَحْرِ مَا يُعَيِّنُ التَّعْيِينَ لِكُلٍّ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ فَتَأَمَّلْهُ اهـ.