للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَا أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَلَا يَكُونُ نَجِسًا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا أَطْلَقَ نَجَاسَةَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ غُسَالَتَهُ لَا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ غَالِبًا وَفِي الْخُلَاصَةِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ الصَّبِيُّ فِي طَسْتٍ هَلْ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا. اهـ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَلْتُرَاجَعْ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ أَخَذَ الْمَاءَ بِفَمِهِ لَا يُرِيدُ بِهِ الْمَضْمَضَةَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا لَوْ أَخَذَ بِفِيهِ وَغَسَلَ أَعْضَاءَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَبْقَى طَهُورًا وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ كَقَوْلِهِمْ فِيمَنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ إحْدَى رِجْلَيْهِ فِي إجَّانَةٍ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا يُفِيدُ أَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ إمَّا بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ كَانَ مَعَهُ تَقَرُّبٌ أَوْ لَا أَوْ إقَامَةُ الْقُرْبَةِ كَانَ مَعَهُ رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ لَا أَوْ إسْقَاطُ الْفَرْضِ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَمْ يَزُلْ الْحَدَثُ وَلَا الْجَنَابَةُ عَنْ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْحَدَثَ وَالْجَنَابَةَ لَا يَتَجَزَّآنِ زَوَالًا كَمَا لَا يَتَجَزَّآنِ ثُبُوتًا قَالُوا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا لَمْ تُوجَدْ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ هَذَا السَّبَبِ الثَّالِثِ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ سُقُوطِ الْفَرْضِ وَارْتِفَاعِ الْحَدَثِ فَسُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْ الْيَدِ مَثَلًا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجِبَ إعَادَةُ غَسْلِهَا مَعَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ وَيَكُونُ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ مَوْقُوفًا عَلَى غَسْلِ الْبَاقِي وَسُقُوطُ الْفَرْضِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَدَثَ زَالَ عَنْ الْعُضْوِ زَوَالًا مَوْقُوفًا لَكِنَّ الْمُعَلَّلَ بِهِ فِي كِتَابِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا نَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إسْقَاطُ الْفَرْضِ فِي مَسْأَلَةِ إدْخَالِ الْيَدِ الْإِنَاءَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا إزَالَةِ الْحَدَثِ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ غَسَلَ الْمُحْدِثُ عُضْوًا آخَرَ سِوَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَالْفَخِذِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِخِلَافِ أَعْضَاءِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ إلَخْ) أَقُولُ: سَيَذْكُرُ مِثْلَهُ عَنْ السِّرَاجِ فِي بَابِ النَّجَاسَاتِ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَيِّتِ خَبَثٌ أَوْ حَدَثٌ وَأَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ اسْتَدَلَّ لِلْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ قَبْلَ الْغُسْلِ بَجْسَهُ وَلَوْ صَلَّى، وَهُوَ حَامِلٌ لِلْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ صَحَّحَهُ وَنَسَبَهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَلَامَ مُحَمَّدٍ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ فِي أَنَّ غُسَالَتَهُ نَجِسَةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ تَنْجِيسَهُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ وَعَدَمَ صِحَّةِ صَلَاةِ حَامِلِهِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ النَّجَاسَةِ غَالِبًا، وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَلَا يُحْكَمُ بِفَسَادِ الْمَاءِ أَوْ الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ وَكَذَا غُسَالَتُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ الصَّبِيُّ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ إذَا تَوَضَّأَ يُرِيدُ بِهِ التَّطْهِيرَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مُعْتَبَرَةً اهـ.

فَقَوْلُهُ: يُرِيدُ بِهِ التَّطْهِيرَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّطْهِيرَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَفِي قَوْلِهِ يَنْبَغِي إيمَاءً إلَى أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ: لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْحَدَثَ وَالْجَنَابَةَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي حَوَاشِي الْمَجْمَعِ الْحَدَثُ يُقَالُ بِمَعْنَيَيْنِ بِمَعْنَى الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ عَمَّا لَا يَحِلُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا لَا يَتَجَزَّأُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَبِمَعْنَى النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَهَذَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا ارْتِفَاعًا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَصَيْرُورَةُ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا بِإِزَالَةِ الثَّانِيَةِ فَفِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الرَّجُلَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَالْمَاءُ الَّذِي أَسْقَطَ الْفَرْضَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِلَا خِلَافٍ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ.

هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فَخُذْهُ، فَإِنَّهُ بِالْأَخْذِ حَقِيقٌ كَذَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي عَلَى الدُّرَرِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا تَلَازُمَ إلَخْ) الْمُرَادُ نَفْيُ التَّلَازُمِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَهُوَ جَانِبُ سُقُوطِ الْفَرْضِ أَيْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ وَيَرْتَفِعُ الْحَدَثُ كَمَا إذَا أَتَمَّ الطَّهَارَةَ وَقَدْ يَسْقُطُ وَلَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ كَمَا إذَا لَمْ يُتِمَّهَا، وَأَمَّا جَانِبُ رَفْعِ الْحَدَثِ، فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ لَزِمَ مِنْهُ سُقُوطُ الْفَرْضِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا تَلَازُمَ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَدْ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ كَوُضُوءِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لِمَا مَرَّ مِنْ صَيْرُورَةِ مَائِهِ مُسْتَعْمَلًا مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ بَقِيَ هَلْ بَيْنَ سُقُوطِ الْفَرْضِ وَالْقُرْبَةِ تَلَازُمٌ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا إنَّ إسْقَاطَ الْفَرْضِ لَا ثَوَابَ فِيهِ فَلَا وَإِنْ قُلْنَا فِيهِ ثَوَابٌ فَنَعَمْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ نُوحٌ أَفَنْدِي وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه النَّظَرُ الصَّحِيحُ أَوْ الرَّاجِحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ فِي الْوُضُوءِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ شَرْعًا عِبَارَةٌ عَنْ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ فَغَسْلُ عُضْوٍ مِنْهَا لَيْسَ بِوُضُوءٍ شَرْعِيٍّ فَكَيْفَ يُثَابُ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُثَابُ عَلَى غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا ثَوَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْإِتْمَامِ، فَإِنْ أَتَمَّهُ أُثِيبَ عَلَى غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا، وَإِلَّا فَلَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهه خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدُهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ» اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ غَسَلَ الْمُحْدِثُ عُضْوًا سِوَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فَإِنْ قُلْت عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ كَيْفَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ قُلْت قَالَ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَهُ الْتِفَاتٌ إلَى خِلَافٍ آخَرَ هُوَ أَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ وُجِدَ هَلْ حَلَّ بِكُلِّ الْبَدَنِ وَجُعِلَ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ رَافِعًا عَنْ الْكُلِّ تَخْفِيفًا أَوْ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ قَوْلَانِ، وَكَانَ الرَّاجِحُ هُوَ الثَّانِيَ؛ وَلِذَا لَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِخِلَافِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>