للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوُضُوءِ اهـ.

وَفِي الْمُبْتَغَى بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِغَسْلِهِ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً تُؤْكَلُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَوُضُوءُ الْحَائِضِ مُسْتَعْمَلٌ؛ لِأَنَّ وُضُوءَهَا مُسْتَحَبٌّ اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا إذَا قَصَدَتْ الْإِتْيَانَ بِالْمُسْتَحَبِّ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَإِنْ أَرَادَ بِالزِّيَادَةِ ابْتِدَاءَ الْوُضُوءِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ اهـ.

وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ فِي بَحْثِ تَثْلِيثِ الْغَسْلِ فِي السُّنَنِ فَلْيُرَاجَعْ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ لَا يَكُونُ قُرْبَةً إلَّا إذَا اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا أَمَّا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً بَلْ مَكْرُوهٌ فَيَكُونُ الْمَاءُ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ الْمُتَوَضِّئُ لَيْسَ عَلَى أَعْضَائِهِ نَجَاسَةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ وَلَا حُكْمِيَّةٌ فَكَيْفَ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ قُلْنَا لَمَّا نَوَى الْقُرْبَةَ فَقَدْ ازْدَادَ طَهَارَةً عَلَى طَهَارَةٍ وَلَنْ تَكُونَ طَهَارَةٌ جَدِيدَةً إلَّا بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ حُكْمًا، فَصَارَتْ الطَّهَارَةُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَلَى الْحَدَثِ سَوَاءً اهـ.

وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي وَقْتَ ثُبُوتِ الِاسْتِعْمَالِ فَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ مَا زَايَلَ الْبَدَنَ وَاسْتَقَرَّ فِي مَكَان مِنْ أَرْضٍ أَوْ إنَاءٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاسْتَدَلَّ بِمَسَائِلَ زَعَمَ أَنَّهَا تَدُلُّ لَهُ مِنْهَا إذَا تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ عَلَى يَدِهِ لُمْعَةٌ فَأَخَذَ الْبَلَلَ مِنْهَا فِي الْوُضُوءِ أَوْ مِنْ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فِي الْغُسْلِ وَغَسَلَ اللُّمْعَةِ يَجُوزُ، وَمِنْهَا نَقْلُ الْبِلَّةِ مِنْ مَغْسُولٍ إلَى مَمْسُوحٍ جَائِزٌ، وَإِنْ وُجِدَ الِانْفِصَالُ وَمِنْهَا أَنَّ الْخِرْقَةَ الَّتِي يَتَمَسَّحُ بِهَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهَا، وَإِنْ كَانَ مَا أَصَابَهَا مِنْ الْبَلَلِ كَثِيرًا فَاحِشًا وَكَذَا إذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا وَإِنْ وُجِدَ الِانْفِصَالُ فَأَمَّا عِنْدَنَا فَمَا دَامَ عَلَى الْعُضْوِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِذَا زَايَلَهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان، فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلٍ أَخَذَهُ مِنْ لِحْيَتِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان، وَكَذَا لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلٍ بَاقٍ بَعْدَ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ لَا يُجْزِئُهُ وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ مَاءٌ قَدْ مَسَحَ بِهِ مَرَّةً أَشَارَ بِهِ إلَى مَا قُلْنَا وَقَالُوا لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْبِلَّةِ مِنْ عُضْوٍ مَغْسُولٍ إلَى مِثْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قُلْنَاهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ صَيْرُورَتُهُ مُسْتَعْمَلًا بِنَفْسِ الْمُلَاقَاةِ لِوُجُودِ السَّبَبِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعُضْوِ جُزْءٌ مِنْ الْمَاءِ إلَّا أَنَّ فِيهِ حَرَجًا فَسَقَطَ اعْتِبَارُ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً أَوْ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ حُكْمًا كَمَا فِي الْجَنَابَةِ فَإِذَا زَايَلَ الْعُضْوَ زَالَتْ الضَّرُورَةُ، فَظَهَرَ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ بِقَضِيَّةِ الْقِيَاسِ وَقَدْ حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا سُفْيَانُ.

وَأَمَّا عَنْ الثَّانِيَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ أَنَّهَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ يَجُوزُ أَمَّا إذَا كَانَ اسْتَعْمَلَهُ لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْمَغْسُولَاتِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْغُسْلِ إنَّمَا تَأَدَّى بِمَا جَرَى عَلَى عُضْوِهِ لَا بِالْبِلَّةِ الْبَاقِيَةِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْبِلَّةُ مُسْتَعْمَلَةً بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ثُمَّ مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْحِ يَتَأَدَّى بِالْبِلَّةِ وَتَفْصِيلُ الْحَاكِمِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَأَمَّا مَا مُسِحَ بِالْمِنْدِيلِ أَوْ تَقَاطَرَ عَلَى الثَّوْبِ، فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَعِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا لَكِنَّ سُقُوطَ اعْتِبَارِ نَجَاسَتِهِ هَاهُنَا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ هَذَا مَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْقَائِلَ بِاشْتِرَاطِ الِاسْتِقْرَارِ سُفْيَانُ فَقَطْ دُونَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَصُحِّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْمَذْهَبَ صَيْرُورَتُهُ مُسْتَعْمَلًا بِمُجَرَّدِ الِانْفِصَالِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ وَصُدِّرَ بِهِ فِي الْكَافِي وَذُكِرَ مَا فِي الْكَنْزِ بِصِيغَةِ قِيلَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ هُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَبَعْضِ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَأَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ وَظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان وَيَسْكُنْ عَنْ التَّحَرُّكِ اهـ.

وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ مُخْتَارَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اجْتِمَاعُهُ فِي مَكَان بَعْدَ الْمُزَايَلَةِ وَفِيمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ حَرَجٌ عَظِيمٌ عَلَى

ــ

[منحة الخالق]

عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَوُضُوءُ الْحَائِضِ مُسْتَعْمَلٌ؛ لِأَنَّ وُضُوءَهَا مُسْتَحَبٌّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: قَالُوا بِوُضُوءِ الْحَائِضِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَأَنْ تَجْلِسَ فِي مُصَلَّاهَا قَدْرَهَا كَيْ لَا تَنْسَى عَادَتَهَا وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْفَرِيضَةِ وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ تَوَضَّأَتْ لِتَهَجُّدٍ عَادِيٍّ لَهَا أَوْ صَلَاةِ ضُحًى أَوْ جَلَسَتْ فِي مُصَلَّاهَا أَنْ يَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا وَلَمْ أَرَهُ لَهُمْ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ إلَخْ) أَقُولُ: وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ فَلْيُرَاجَعْ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كَرَاهَةَ تَكْرَارِ الْوُضُوءِ فِي مَجْلِسٍ إذَا تَعَدَّدَ مِرَارًا لَا فِيمَا إذَا أَعَادَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>