كَمَالَ الْمَهْرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَزَالَهَا بِدَفْعَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ النِّصْفُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَوْ دَفَعَهَا أَجْنَبِيٌّ فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا وَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا سَمَّى دُونَ الْعَشَرَةِ كَمَا قَالَ زُفَرَ؛ لِأَنَّ فَسَادَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا بِالْعَشَرَةِ، فَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْضَى بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ تَكَرُّمًا وَلَا تَرْضَى فِيهِ بِالْعِوَضِ الْيَسِيرِ، وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُ الْأَكْثَرِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْمَهْرِ يَمْنَعُ النُّقْصَانَ فَقَطْ وَفِي الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ أَلْفٌ مِنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْخَاطِبِ أَوْ لِوَلَدِي أَوْ لِفُلَانٍ فَالْمَهْرُ أَلْفٌ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِئْنَاءٌ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى غَنَمٍ بِعَيْنِهَا عَلَى أَنَّ أَصْوَافَهَا لِي كَانَ لَهُ الصُّوفُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى جَارِيَةٍ حُبْلَى عَلَى أَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا تَكُونُ لَهُ الْجَارِيَةُ وَمَا فِي بَطْنِهَا لَهَا اهـ. وَكُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ كَجُزْئِهَا فَلَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَكَسَدَتْ وَصَارَ النَّقْدُ غَيْرَهَا كَانَ عَلَى الزَّوْجِ قِيمَةُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ يَوْمَ كَسَدَتْ هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ كَانَ مَكَانُ النِّكَاحِ بَيْعًا فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْكَسَادَ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ وَهَلَاكُ الْبَدَلِ يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ) أَيْ الْمُسَمَّى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٧] الْآيَةَ وَالْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ فَفِيهِ تَفْوِيتُ الزَّوْجِ الْمِلْكَ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَفِيهِ عَوْدُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَيْهَا سَالِمًا فَكَانَ الْمَرْجِعُ فِيهِ النَّصَّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُونَ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَشَمِلَ الدُّخُولُ الْخَلْوَةَ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَلْوَةَ مَعَ أَنَّهَا شَرْطٌ لِمَا أَنَّ اسْمَ الدُّخُولِ يَشْمَلُهَا؛ لِأَنَّهَا دُخُولٌ حُكْمًا اهـ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ يَتَنَصَّفُ أَنَّ النِّصْفَ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ وَأَطْلَقَهُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهَا عَادَ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ نِصْفُهُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا لَهَا فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَرْأَةِ فِي النِّصْفِ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْجَبَ فَسَادَ سَبَبِ مِلْكِهَا فِي النِّصْفِ وَفَسَادُ السَّبَبِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ مِلْكِهَا بِالْقَبْضِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ
ــ
[منحة الخالق]
مَا قُلْتُهُ فَإِنَّهُ ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكُلِّهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَقَوْلُهُ لَوْ دَفَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ إزَالَتِهَا بِالْحَجَرِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَفِي جِنَايَاتِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ دَفَعَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَذَهَبَتْ عَذْرَتُهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَوْ دَفَعَ امْرَأَةَ الْغَيْرِ وَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ وَجَبَ لَهَا مَهْرَانِ اهـ.
أَيْ: مَهْرٌ بِالدَّفْعِ وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ وَالدُّخُولِ وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَزَالَ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ هُنَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ إزَالَتَهَا بِالْحَجَرِ أَوْ الْإِصْبُعِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ كُلُّ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْخَلْوَةِ حَتَّى لَوْ ضَرَبَهَا بِحَجَرٍ فِي غَيْرِ الْخَلْوَةِ فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى نِصْفِ الْمَهْرِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ لَا بِحُكْمِ الضَّرْبِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَهَا أَجْنَبِيٌّ فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَدَافَعَتْ جَارِيَةٌ مَعَ أُخْرَى فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا وَجَبَ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ.
وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ مَا لَوْ كَانَتْ الْمَدْفُوعَةُ مُتَزَوِّجَةً فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ وُجُوبُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَامِلًا فِيمَا إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ إنَّ عِبَارَةَ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ كَمَالِ مَهْرِ الْمِثْلِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَحِينَئِذٍ يُعَارِضُ إيجَابَ الْمُؤَلِّفِ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ هَذَا وَقَالَ فِي الْمِنَحِ لَكِنْ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى وَلَوْ افْتَضَّ مَجْنُونٌ بَكَارَةَ امْرَأَةٍ بِإِصْبَعَ وَأَفْضَاهَا فَقَدْ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا افْتَضَّهَا كُرْهًا بِإِصْبُعٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آلَةٍ مَخْصُوصَةٍ حَتَّى أَفْضَاهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَلَكِنَّ مَشَايِخَنَا يَذْكُرُونَ أَنَّ هَذَا وَقَعَ سَهْوًا وَلَا يَجِبُ إلَّا بِالْآلَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَالْوَطْءِ وَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ اهـ.
كَلَامُ الْمِنَحِ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُسَمَّى) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنْ يَتَنَصَّفَ بِالْيَاءِ، قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ أَوْلَى وَأَنَّهُ لَوْ سَمَّى مَا دُونَهَا لَا يَتَنَصَّفُ الْمُسَمَّى فَقَطْ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الثَّوْبِ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ أَوْ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا.
(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ يَتَنَصَّفُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمَعْنَى تَنْصِيفِهَا اسْتِحْقَاقُ الزَّوْجِ النِّصْفَ مِنْهَا لَا أَنَّهُ يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ كَمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا لَهَا اهـ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النِّصْفِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّقْيِيدِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ