الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لَوْ كَانَ الْمَهْرُ عَرْضًا فَوَهَبَتْهُ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ لِتَعَيُّنِهِ فِي الْفَسْخِ كَتَعَيُّنِهِ فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعُ شَيْءٍ آخَرَ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ الْعَرْضَ الْمَهْرَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّبْ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ بَعْدَ مَا تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ فَاحِشٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَرْضِ يَوْمَ قَبَضَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّبَ فَاحِشًا صَارَ كَأَنَّهَا وَهَبَتْهُ عَيْنًا أُخْرَى غَيْرَ الْمَهْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ كَالْعَدَمِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ فِي الْمَهْرِ مُتَحَمِّلٌ وَأُطْلِقَ فِي الْعَرْضِ فَشَمِلَ الْمُعَيَّنَ وَمَا فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمِثْلِيَّاتِ فَإِنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْهَا لَيْسَ حُكْمُهُ كَالْعَرْضِ وَالْمُعَيَّنُ مِنْهَا كَالْعَرْضِ وَهُوَ مِنْ خُصُوصِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْعَرْضَ فِيهِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَيَجْرِي فِيهِ التَّسَامُحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَتَمْثِيلُهُمْ هُنَا لَهُ بِالْحَيَوَانِ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَنَحْوُهُمَا لَا مُطْلَقُ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ تَفْسُدُ كَمَا سَيَأْتِي وَقُيِّدَ بِالْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَاعَتْ عَرْضَ الصَّدَاقِ مِنْ الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ أَوْ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الْمَدْفُوعِ
وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَقُيِّدَ بِهِبَةِ الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَهَبَتْ الْعَرْضَ لِأَجْنَبِيٍّ بَعْدَ قَبْضِهِ ثُمَّ وَهَبَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ الْعَيْنِ وَالدَّيْنُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ النِّصْفُ مِنْ جِهَتِهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقُيِّدَ بِهِبَةِ جَمِيعِ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَهَبَتْ لَهُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ فَإِنَّهَا تَرُدُّ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ وَلَوْ وَهَبَتْ لَهُ أَكْثَرَهُ أَوْ النِّصْفَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَمِمَّا يُنَاسِبُ مَسْأَلَةَ هِبَةِ الْمَرْأَةِ الْعَرْضَ الْمَهْرَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ الْعَيْنَ الْمَمْهُورَةَ لِلزَّوْجِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا. اهـ.
؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي هُنَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَعْنِي مَا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَمَا وَهَبَتْهُ عَلَى سِتِّينَ وَجْهًا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إمَّا ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ مِثْلِيٌّ غَيْرُهُمَا أَوْ قِيَمِيٌّ فَالْأَوَّلُ عَلَى عِشْرِينَ وَجْهًا؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ إمَّا الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ قَبْضِ النِّصْفِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهِيَ عَشَرَةٌ وَكُلُّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مَضْرُوبًا أَوْ تِبْرًا فَهِيَ عِشْرُونَ وَالْعَشَرَةُ الْأُولَى فِي الْمِثْلِيِّ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا، وَكَذَا فِي الْقِيَمِيِّ وَالْأَحْكَامُ مَذْكُورَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا فَإِنْ وَفَى وَأَقَامَ فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ) بَيَانُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى ضَابِطُهَا أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا قَدْرًا وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرُ مِنْهُ وَيُشْتَرَطُ مَنْفَعَةٌ لَهَا أَوْ لِأَبِيهَا أَوْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا فَإِنْ وَفَى بِمَا شُرِطَ فَلَهَا الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ صَلُحَ مَهْرًا، وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْعَدِمُ رِضَاهَا بِالْمُسَمَّى فَيَكْمُلُ مَهْرُ مِثْلِهَا كَمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْبَلَدِ أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا أَوْ أَنْ يُكْرِمَهَا وَلَا يُكَلِّفُهَا الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ أَوْ أَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً أَوْ أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَخَاهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَ أَبَاهَا ابْنَتَهُ وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهَا تَنْتَفِعُ بِمَا لِأَخِيهَا وَابْنِهَا فَصَارَتْ كَالْمَنْفَعَةِ الْمَشْرُوطَةِ لَهَا اهـ.
وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ لِيَكُونَ وَعْدًا إنْ وَفَى بِهِ فِيهَا وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ وَالتَّطْلِيقُ وَيَكْمُلُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.
أَمَّا إذَا شَرَطَهُ بِالْمَصْدَرِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعِتْقِ أَخِيهَا أَوْ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا عَتَقَ الْأَخُ وَطَلُقَتْ الْمَرْأَةُ بِنَفْسِ النِّكَاحِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يُوقِعَهُمَا وَلِلْمَرْأَةِ الْمُسَمَّى فَقَطْ، وَأَمَّا وَلَاءُ الْأَخِ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ وَعِتْقُ أَخِيهَا عَنْهَا فَهُوَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا الْمُعْتَقَةُ لِتَقَدُّمِ الْمِلْكِ لَهَا وَيَصِيرُ الْعَبْدُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ عَنْهَا فَهُوَ الْمُعْتِقُ وَالْوَلَاءُ لَهُ وَالطَّلَاقُ الْوَاقِعُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَمِمَّا يُنَاسِبُ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ ذُكِرَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ إمَّا الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ قَوْلَهُ أَوْ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ تَصِلُ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَجْهًا فَافْهَمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute