للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّسَبَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَتُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهِ وَالْإِقَامَةُ بِاعْتِبَارِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ قِيَاسًا عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمَشَايِخُ أَفْتَوْا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لِبُعْدِ قَوْلِهِمَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَتَقْدِيرُ مُدَّةِ النَّسَبِ بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَقَلِّ لَا عَنْ مَا زَادَ عَنْ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ اتِّفَاقًا وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ وَقْتِ الْعَقْدِ فَقَطْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ وَقْتِ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ إنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ الْأَقَلِّ فَقَطْ وَانْدَفَعَ مَا فِي الْغَايَةِ مِنْ قِيَاسِ النَّسَبِ عَلَى الْعِدَّةِ وَأَنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءِ مُدَّةِ النَّسَب مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ كَالْعِدَّةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا النَّسَبُ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ بِهِ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ إذَا وَقَعَتْ فُرْقَةٌ وَمَا لَمْ تَقَعْ فَمِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ أَوْ الدُّخُولِ عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا أَتَتْ بِهِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْفَتْحِ خِلَافُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مُدَّةَ النَّسَبِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ أَيْضًا وَلَيْسَ هُوَ قَطْعًا إلَّا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَقَلِّ لَا عَنْ الْأَكْثَرِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ) أَيْ وَتَثْبُتُ الْعِدَّةُ فِيهِ وُجُوبًا بَعْدَ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا الْخَلْوَةُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ ابْتِدَاءَهَا لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَرَفْعُهَا بِالتَّفْرِيقِ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَلَا إحْدَادَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِيهَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَالْمُرَادُ بِالْعِدَّةِ هُنَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمَوْطُوءَةُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ آخِرِ وَطْءٍ ثَلَاثًا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ نَقْلِ الْعَتَّابِيِّ اهـ.

وَمَحَلُّهُ فِيمَا إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا فَلَيْسَ لَهَا التَّزَوُّجُ اتِّفَاقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ

وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ

ــ

[منحة الخالق]

فِي قَوْلِهِ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فَاسِدٌ أَمْ بَاطِلٌ إلَخْ الَّذِي وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ لَا أَنَّ النِّكَاحَ يَنْقَسِمُ إلَى بَاطِلٍ وَفَاسِدٍ تَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ.

قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي حُدُودِ الْمِعْرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي الْحُدُودِ فِي مَبْنَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ حَيْثُ يُحَدُّ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ أَنَّ الْعَقْدَ هَلْ يُوجِبُ شُبْهَةً أَوْ لَا وَمَدَارُهُ أَنَّهُ هَلْ وَرَدَ عَلَى مَا هُوَ مَحَلُّهُ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَى الْوَطْءِ لِحُرْمَتِهِ وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِدُونِ الْوَطْءِ أَوْ اللَّمْسِ أَوْ التَّقْبِيلِ وَرَجَحَ فِي النَّهْرِ قَوْلُهُمَا حَيْثُ قَالَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّسَبَ حَيْثُ كَانَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَالِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الْعَقْدِ بِهِ أَمْسِ.

(قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) تَعْلِيلٌ لِلِانْدِفَاعِ.

(قَوْلُهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْمَسْأَلَةِ) وَهِيَ مَا لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا (قَوْلُهُ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: اعْتِبَارُ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ أَوْ الدُّخُولِ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْأَقَلِّ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ مِنْ هَذَا الِابْتِدَاءِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَاعْتِبَارُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فَهِيَ لِلْأَكْثَرِ لَا لِلْأَقَلِّ فَلَا يَرِدُ مَا ذُكِرَ فَتَدَبَّرْ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الرَّمْزِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا أَوْ خَلَا بِهَا وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الدُّخُولَ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ قَالَ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ لَمْ يُخِلَّ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ فَقَوْلُهُ هُنَا لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ الْمُوَافَقَةِ لِقَوْلِ زُفَرَ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لَهَا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الزَّيْلَعِيِّ يُوهِمُ خِلَافَهُ) عِبَارَتُهُ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ وَقَالَ زُفَرَ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ

<<  <  ج: ص:  >  >>