يُوهِمُ خِلَافَهُ وَالتَّفْرِيقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إمَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ بِمُتَارَكَةِ الزَّوْجِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ فِيهِ وَلَا تَحَقُّقَ لِلْمُتَارَكَةِ إلَّا بِالْقَوْلِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَقَوْلِهِ تَارَكْتُك أَوْ تَارَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَهَا أَوْ خَلَّيْتهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَتَتَحَقَّقُ الْمُتَارَكَةُ بِالْقَوْلِ وَبِالتَّرْكِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ تَرْكُهَا عَلَى قَصْدِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا تَكُونُ الْمُتَارَكَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ فِيهِمَا حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا وَمَضَى عَلَى عِدَّتِهَا سُنُونَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ وَإِنْكَارُ الزَّوْجِ النِّكَاحَ إنْ كَانَ بِحَضْرَتِهَا فَهُوَ مُتَارَكَةٌ وَإِلَّا فَلَا كَإِنْكَارِ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ، وَأَمَّا عِلْمُ غَيْرِ الْمُتَارَكَةِ بِالْمُتَارَكَةِ فَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْمُتَارَكَةِ هُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَوْ لَمْ يُعْلِمْهَا لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا ثَانِيهِمَا إنَّ عِلْمَ الْمَرْأَةِ فِي الْمُتَارَكَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الصَّحِيحِ اهـ.
وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُتَارَكَةَ لَا تَكُونُ مِنْ الْمَرْأَةِ أَصْلًا كَمَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِالزَّوْجِ لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْتَبِدَّ بِفَسْخِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَسْخُ هَذَا النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَكَذَلِكَ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ اهـ.
وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ فَسْخَهُ بِمَحْضَرِ الزَّوْجِ اتِّفَاقًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَسْخَ مُتَارَكَةٌ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بَعِيدٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَمِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لِلشُّبْهَةِ وَيُحَدُّ إذَا وَطِئَهَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَا وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا.
(قَوْلُهُ وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِقَوْمِ أَبِيهَا إذَا اسْتَوَيَا سِنًّا وَجَمَالًا وَمَالًا وَبَلَدًا وَعَصْرًا وَعَقْلًا وَدِينًا وَبَكَارَةً) بَيَانٌ لِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِقَوْمِ الْأَبِ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَخَالَتِهَا إذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ قَبِيلَتِهَا لِمَا بَيَّنَّا. ثَانِيهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِوَاءِ فِي الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ وَالْعَصْرِ أَيْ الزَّمَانِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَمَانِيَةَ أَشْيَاءَ وَأَرَادَ بِالسِّنِّ الصِّغَرَ أَوْ الْكِبَرَ وَأُطْلِقَ فِي اعْتِبَارِ الْجَمَالِ وَالْمَالِ، وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمَالُ فِي بَيْتِ الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ إذْ الرَّغْبَةُ فِيهِنَّ لِلْجَمَالِ بِخِلَافِ بَيْتِ الشَّرَفِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا جَيِّدٌ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا وَأَرَادَ بِالدِّينِ التَّقْوَى كَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَزَادَ فِي
ــ
[منحة الخالق]
حِيَضٍ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَقَدْ انْقَضَتْ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا الضَّمِيرُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا إذْ غَيْرُهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَفِي كَلَامِهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ التَّشْوِيشِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بَعِيدٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَنْ تَصَفَّحَ كَلَامَهُمْ جَزَمَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَارَكَةَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ فَيَخْتَصُّ بِهِ الزَّوْجُ، وَأَمَّا الْفَسْخُ فَرَفْعُ الْعَقْدِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْمُتَارَكَةِ اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: بَعْدَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَيْفَ يُقَالُ بِأَنَّ فِي الْمُتَارَكَةِ الَّتِي هِيَ مُفَاعَلَةٌ تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ مَعْنَى الطَّلَاقِ فَيَخْتَصُّ بِهِ الزَّوْجُ فَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ غَانِمٍ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْمَنْظُومِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مَا مَعْنَاهُ قَالَ لَهَا إنْ ضَرَبْتُك فَأَمْرُك بِيَدِك فَضَرَبَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِحُكْمِ الْأَمْرِ فَإِنْ قِيلَ هُوَ مُتَارَكَةٌ فَلَهُ وَجْهٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَوْ قِيلَ لَا فَلَهُ وَجْهٌ فَطَلَاقُ الْفَاسِدِ فَسْخٌ وَمُتَارَكَةٌ. اهـ.
فَقَوْلُهُ فَطَلَاقُ الْفَاسِدِ مُتَارَكَةٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمُتَارَكَةِ مِنْهَا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ اُعْتُبِرَ مُجَرَّدُ قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي وَهُوَ فَسْخٌ وَمُتَارَكَةٌ فَصَحَّ مِنْهَا فَيَظْهَرُ بِهِ صِحَّةُ مُتَارَكَتِهَا كَفَسْخِهَا تَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْتُ: مَا عَزَاهُ إلَى الْفُصُولَيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ هُنَا فِي الثَّالِثَ عَشَرَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَزَادَ عَلَى مَا هُنَا وَنَصُّهُ جَعْلُ أَمْرِهَا بِيَدِهَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنْ ضَرَبَهَا بِلَا جُرْمٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِحُكْمِ التَّفْوِيضِ إنْ قِيلَ يَكُونُ مُتَارَكَةً كَالطَّلَاقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَهُ وَجْهٌ وَإِنْ قِيلَ لَا فَلَهُ وَجْهٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُتَارَكَةَ فَسْخٌ وَتَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا يَكُونُ مُتَارَكَةً؛ لِأَنَّهُ لَا تَعْلِيقَ فِيهِ وَفِي الْأَوَّلِ تَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِالضَّرْبِ اهـ.
وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ التَّطْلِيقَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ لِكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي فَوَّضَ لَهَا الطَّلَاقَ فَيَكُونُ مُتَارَكَةً صَادِرَةً مِنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مِنْهَا وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مُتَارَكَةً مِنْهَا لِتَحَقُّقٍ مِنْهَا بِدُونِ تَفْوِيضٍ فَلَا يَدُلُّ مَا نَقَلَهُ عَلَى صِحَّةِ مُتَارَكَتِهَا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْمُعْتَدَّةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ اهـ.
وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ هُنَاكَ وَسَيَأْتِي رَدُّهُ.
(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا)
، وَكَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ