التَّبْيِينِ عَلَى هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ أَرْبَعَةً وَهِيَ الْعِلْمُ وَالْأَدَبُ وَكَمَالُ الْخُلُقِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ وَزَادَ الْمَشَايِخُ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ أَيْضًا وَفَسَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَكُونَ زَوْجُ هَذِهِ كَأَزْوَاجِ أَمْثَالِهَا مِنْ نِسَائِهَا فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ وَعَدَمِهِمَا. اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِهَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ؛ لِأَنَّ لِلْجَمَالِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ وَالْعَقْلِ وَالتَّقْوَى وَالسِّنِّ مَدْخَلًا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ أَيْضًا فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا فِي حَقِّهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّابَّ يَتَزَوَّجُ بِأَرْخَصَ مِنْ الشَّيْخِ، وَكَذَا الْمُتَّقِي بِأَرْخَصَ مِنْ الْفَاسِقِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مَالًا إلَى أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُرَّةِ، وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمُجْتَبَى مَهْرُ مِثْلِ الْأَمَةِ عَلَى قَدْرِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ثُلُثُ قِيمَتِهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ بِمَا ذُكِرَ حُكْمُ كُلِّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ أَصْلًا أَوْ سُمِّيَ فِيهِ مَا هُوَ مَجْهُولٌ أَوْ مَا لَا يَحِلُّ شَرْعًا كَمَا قَدَّمْنَا تَفَاصِيلَهُ وَحُكْمُ كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ بَعْدَ الْوَطْءِ سُمِّيَ فِيهِ مَهْرٌ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْمَهْرُ بِسَبَبِ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَهْرِ فِيهَا مَهْرُ الْمِثْلِ الْمَذْكُورِ هُنَا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْمَهْرُ بِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةٍ قَالَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَهْرِ الْعُقْرُ وَتَفْسِيرُ الْعُقْرِ الْوَاجِبِ بِالْوَطْءِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَا قَالَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ سَأَلْت الْقَاضِيَ الْإِمَامَ الْإِسْبِيجَابِيَّ عَنْ ذَلِكَ بِالْفَتْوَى فَكَتَبَ هُوَ الْعُقْرُ أَنَّهُ يَنْظُرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّنَا لَوْ كَانَ حَلَالًا يَجِبُ ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ مَشَايِخِنَا فِي شُرْبِ الْأَصْلِ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ زُفِّتَ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا لَزِمَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا اهـ. إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْعُقْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْخُلَاصَةِ تَوْفِيقًا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا سَاوَتْ الْمَرْأَةُ امْرَأَتَيْنِ مِنْ أَقَارِبِ أَبِيهَا فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمُعْتَبَرَةِ مَعَ اخْتِلَافِ مَهْرِهِمَا قِلَّةً وَكَثْرَةً هَلْ يُعْتَبَرُ بِالْمَهْرِ الْأَقَلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَهْرٍ اعْتَبَرَهُ الْقَاضِي وَحَكَمَ بِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ وَفِي الْخُلَاصَةِ يُعْتَبَرُ بِأَخَوَاتِهَا وَعِمَامَتِهَا وَبَنَاتِهِنَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أُخْتٌ وَلَا عَمَّةٌ فَبِنْتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبِنْتُ الْعَمِّ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ بِنْتَ الْأُخْتِ وَبِنْتَ الْعَمِّ مُؤَخَّرَانِ عَمَّا ذَكَرَهُ فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا أُخْتٌ وَبِنْتُ عَمٍّ قَدْ سَاوَتْهُمَا فِي الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرَ بِنْتُ الْعَمِّ مَعَ وُجُودِ الْأُخْتِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَى ذَلِكَ شُهُودٌ عُدُولٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بِدُونِ الشَّهَادَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ مِنْ الزَّوْجِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ
ــ
[منحة الخالق]
كَغَيْرِهِ بِرَدِّهِ. (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا فِي حَقِّهِ أَيْضًا) وَافَقَهُ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ فِي النَّهْرِ وَالرَّمْزِ. (قَوْلُهُ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ) ذُكِرَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغُرَرِ الْأَفْكَارِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي الرَّمْزِ ثُمَّ قَالَ وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ مِثْلَهَا اهـ.
قُلْتُ: وَفِي الْفَيْضِ لِلْكُرْكِيِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَاصِلُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ الْعُقْرُ فِي الْحَرَائِرِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي الْجَوَارِي إذَا كُنَّ أَبْكَارًا عُشْرُ الْقِيمَةِ وَإِنْ كُنَّ ثَيِّبَاتٍ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَقِيلَ فِي الْجَوَارِي يُنْظَرُ إلَى مِثْلِ تِلْكَ الْجَارِيَةِ جَمَالًا وَمَوْلًى بِكَمْ تَتَزَوَّجُ فَيُعْتَبَرُ بِذَلِكَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ.
وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة فِي نَوْعٍ مِنْهُ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِلَا نِكَاحٍ ذُكِرَ مَا هُنَا مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ وَفِي الْحُجَّةِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ تَفْسِيرُ الْعُقْرِ هُوَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ مِثْلَهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
فَظَهَرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ خِلَافُ مَا هُنَا.
(قَوْلُهُ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ) لَمْ يَذْكُرْ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ بِدُونِ نِكَاحٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَبْلُ وَحُكْمُ كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَمَسْأَلَةُ الْخَانِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ لَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَبِمَا قَرَّرْنَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ يُخَالِفُهُ أَيْضًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَهْرٍ اعْتَبَرَهُ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّ التَّفْوِيضَ لِقُضَاةِ الْعَهْدِ فَسَادٌ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظَرُ الْفَقِيهِ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فَلَا تَشْتَغِلُ ذِمَّةُ الزَّوْجِ بِغَيْرِهِ تَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْتُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنْ يُنْظَرَ فِي مَهْرِ كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ فَمَنْ وَافَقَ مَهْرُهَا مَهْرَ أَمْثَالِهَا تُعْتَبَرُ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ فِي مَهْرِ أَحَدِهِمَا مُحَابَاةٌ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ) أَجَابَ عَنْهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا رَضِيَا بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ آبَائِهِ وَالنَّقْصُ عَنْهُ عِنْدَ إبَائِهَا لَا يَجُوزُ اهـ.
قُلْتُ: لَكِنَّ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي فِي مَهْرِ الْمِثْلِ شَيْئًا وَلَمْ يَتَرَاضَ الزَّوْجَانِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمَهْرُ كَمَا فِي الْمَشَارِعِ اهـ.
فَقَوْلُهُ وَلَمْ يَتَرَاضَ الزَّوْجَانِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ بِتَرَاضِيهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ أَيْضًا الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي الَّذِي جَمَعَ كُتُبَ مُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ بَيَانِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ فَرَضَ لَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الْعَقْدِ مَهْرًا أَوْ رَافَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي فَفَرَضَ لَهَا مَهْرًا فَهُوَ سَوَاءٌ وَذَلِكَ لَهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّمَا لَهَا الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْفَرِيضَةِ لَمْ تَكُنْ فِي الْعَقْدِ اهـ.
فَقَوْلُهُ: أَوْ رَافَعَتْهُ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ تَرَاضِيهِمَا فَتَدَبَّرْ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُحِيطِ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى صُورَةِ فَرْضِ الزَّوْجِ