ووصفنا إياها بغير المسجوعة وغير الموزونة هو من وجه عام، وقد احتوى بعضها فصولا مسجوعة أو موزونة أيضا. ومن هذه السور تسع ضاربة إلى القصر أكثر منها إلى التوسط وهي الأحقاف والجاثية والدخان والزخرف والشورى وفصلت وسبأ والسجدة ولقمان وباقيها متوسط وقريب من الطويل وطويل. ومع أنها غير مسجعة وغير موزونة الآيات كما قلنا فإن خواتم آياتها مركزة. والذي يمعن فيها يجد تلاحقا في السياق وترابطا في الفصول، ويجد أكثرها ذا وحدة موضوعية أيضا.
وكل هذا يلهم أن الضاربات إلى القصر منها قد نزلت دفعة واحدة وأن ما يحتمل أن لا يكون نزل دفعة واحدة من باقي السور قد نزل فصولا متتابعة من دون اعتراض بفصول من سور أخرى. إلى أن تمّ كل منها واكتسب شخصيته المستقلة.
وما جاء في الرقمين ٣ و ٤ يمكن توثيقه بمميزات القرآن المكي والعهد المكي. فإن هذا العهد كان عهد دعوة، وأحداثه متشابهة من حيث كونها مواقف دعوة وحض وإنذار وتبشير وتنديد وتذكير ووعظ من جانب النبي، ومواقف إنكار وعناد ومكابرة وجدل وتحدّ وأذى من جانب الكفار. والقرآن المكي قد دار جميعه على هذه المواقف المتشابهة فطبيعة هذا العهد لا تقتضي كما يبدو مستقيما نزول فصل من سورة ثم تعقيبه بفصل من سورة أخرى وقبل أن تتم فصول السورة السابقة. وتلاحق فصول السور المكية المتوسطة والطويلة وانسجامها بل ووحدة الموضوع فيها بوجه الإجمال مما يقوم دليلا قويا على ذلك.
٥- إن سبعا وعشرين سورة من السور المكية المتنوعة تبتدئ بحروف متقطعة وهي القلم وق والأحقاف والجاثية والدخان والزخرف والشورى وفصلت وغافر وص ويس والسجدة ولقمان والروم والعنكبوت والقصص والنمل والشعراء وطه ومريم والحجر وإبراهيم والرعد ويوسف وهود ويونس والأعراف. وسبع عشرة منها وجلّها من القصار تبتدئ بالإقسام وهي العصر والعاديات والتين والضحى والليل والشمس والفجر والبلد والطارق والبروج والنازعات والمرسلات والقيامة