وقد يصح أن يضاف إلى ذلك في الوقت نفسه أن الآيتين انطوتا أولا على تطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتسليته عما كان من مواقف الكفار وعنادهم مع إنذار لهؤلاء. فلا محل لحزنه وغمّه. فإن الله لو شاء لجعل الناس أمة واحدة وقسرهم على الإيمان والتصديق. ولكن حكمته اقتضت تركهم لاختيارهم فتكون جهنم مصير كل من اختار الكفر والبغي. وعلى ضوء هذا فتكون جملة إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ بسبيل التنويه بالذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم الذين تداركتهم رحمة الله فلم يكونوا من أهل جهنم بالإضافة إلى أنها عامة مستمرة المدى. ومثل هذا التطمين للنبي صلى الله عليه وسلم والتنويه بالمؤمنين قد تكرر كثيرا ومرّت أمثلة منه في السور التي سبق تفسيرها لأن المواقف التي تقتضيهما كانت تكرر.
وثانيا على رد على طريقة الأسلوب الحكيم على تساؤل كثير من الناس حيث احتوت تقرير كون اختلاف الناس هو مظهر طبيعي وناموس من نواميس الله فيهم لييسر كلا منهم حسب قابليته واختياره فلو شاء لخلقهم على جبلة واحدة ووتيرة واحدة وملة واحدة. وحينئذ لا يتميزون عن سائر الحيوانات. ولا يكون معنى لما اقتضته حكمة الله من جعلهم أهلا للتكليف وخلفاء في الأرض ليكونوا فيها أولي الأمر والشأن والانتفاع من مختلف مظاهر كونه ومن بعثهم يوم القيامة ليجزي كلا منهم بما كسب في الحياة الدنيا والله تعالى أعلم.
وقد يبدو لأول وهلة بين الآية الأولى وآية سورة يونس [١٩] التي جاء فيها:
وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا تناقض. ولسنا نرى ذلك فآية يونس في صدد وحدة فطرة الله التي فطر الناس عليها وما كان من اختلافهم وشذوذهم عنها على ما شرحناه في سياقها وفي هذه الآية تعليل لذلك الاختلاف والشذوذ. والله تعالى أعلم.