حال ولا يمتنعون من الانسياق مع الفتنة إذا واجهوها. فهؤلاء لا يصحّ الاطمئنان بدعواهم الحياد وبتظاهرهم بالمودة إلّا إذا أقاموا الدليل على ذلك فعلا باعتزال المسلمين وإعلان المسالمة لهم بصراحة وكفّ أيديهم عنهم بصدق وإخلاص. فإذا لم يفعلوا هذا فحكمهم حكم قومهم. وللمسلمين أن يقاتلوهم ويقتلوهم أنّى وجدوهم. وقد جعل الله لهم عليهم الحجة البالغة.
تعليق على الآية سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ ... إلخ وحكم المذبذبين في علاقاتهم بالمسلمين
وقد روى المفسرون أن الفريق المعني في الآية هو بعض جماعات من قبيلتي أسد وغطفان حيث كانوا يأتون إلى المدينة فيتظاهرون بالإسلام والولاء ليأمنوا المسلمين، فإذا ما رجعوا إلى قومهم أظهروا الشرك والعداء للمسلمين مثلهم بحجة أنهم يريدون بذلك أن يأمنوا قومهم وهناك روايات تذكر أنهم جماعة من قريش أو من قبائل أخرى كانوا يفعلون ذلك «١» .
والروايات لم ترد في الصحاح وفحوى الآية وروحها يسوغان القول إنها متصلة بالآيات السابقة موضوعا وسياقا. وهذا لا يمنع صحة ما روي في الروايات وأن يكون الوصف الذي وصفت به الفريق الموصوف فيها متحققا في جماعة من أسد وغطفان أو جماعة من مشركي قريش أو غيرهم فكان ذلك مناسبة لنزولها محتوية للحكم التشريعي في حق هذه الفئة لتتم بذلك السلسلة التشريعية في حق المنافقين والمعاهدين والمسالمين والمذبذبين.
والحجة التي يقوم عليها الحكم في الآية قوية مستقيمة متمشية مع الحق والإنصاف كما هو واضح. ويظل تلقينها قائما مستمرا ينطبق على كل حالة
(١) انظر تفسير الآية في الطبري والخازن وابن كثير والطبرسي.