[تعليق على تحدي الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم بالإتيان باية وما في الرد القرآني من تلقينات]
وهذه أول مرة يحكي القرآن فيها تحدي الكفار للنبي بالإتيان باية أي معجزة بنص صريح ثم تكرر هذا كثيرا.
والذي يتبادر لنا من أسلوب الآية [١٣٣] أنها بسبيل حكاية واقع. وليست بسبيل تسجيل أول تحدّ. وإن أولية الحكاية لا تمنع أن يكون الكفار قد تحدوا النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك. وقد لمحنا ذلك في آية سورة المدثر بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) وعلقنا عليه وعلى تحدي الكفار بالإتيان بالمعجزات. ولقد ردت عليهم الآية متسائلة عما إذا لم يكفهم ما يرونه من تطابق وتوافق بين القرآن الذي يتلى عليهم وما في الكتب المنزلة الأولى من الله على رسله السابقين. وهذا الرد ينطوي من جهة على توكيد لما شرحناه عن موضوع تحدي الكفار بالمعجزات في سورة المدثر ومن جهة على كون الكفار لا ينكرون الله تعالى وعادته في إرسال الرسل وإنزال الكتب عليهم من جهة، ولا يجهلون أن ما في أيدي أهل الكتاب هو من ذلك من جهة. وبكلمة أخرى إنهم لا ينكرون إرسال الرسل وإنما كانوا ينكرون نبوة النبي ويطلبون البرهان على أنه مرسل من الله تعالى. وجواب القرآن هنا على أسلوب الحكيم. فهم يطلبون معجزة ودليلا والقرآن يقرر أن الدليل والمعجزة فيما احتواه من مبادئ سامية وتطابق هذه المبادئ واتحاد مصدرها مع مبادئ ومصادر الرسالات والكتب السابقة التي يسلم الكفار بها وبمصدريتها الإلهية.
ويهتف بهم إن في ذلك الكفاية لمن أراد الحق والحقيقة لأن الدعوة إلى الله وحده والعمل الصالح والنهي عن الشرك والإثم والفواحش لا يحتاجان إلى معجزة. وهذا الأسلوب تكرر في القرآن كثيرا ردا على الكفار على ما شرحناه في سياق سورة المدثر.
ولقد فهم هذا أصحاب رسول الله على حقيقته فكسبوا وادخروا المال وانتفعوا ونفعوا به وتمتعوا بالطيبات الحلال في الحدود المرسومة في الآيات