عبارة الآيتين واضحة. وقد احتوتا بشرى ربانية للمؤمنين الذين يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وحثّا على ذلك. وتعدادا لصفات المؤمنين المخلصين واستغراقهم في دين الله وواجباته على سبيل التنويه والتثبيت.
تعليق على الآية إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ... والآية التالية لها وما فيهما من تلقين
روى الطبري أن الآية الأولى نزلت عند بيعة العقبة الكبرى التي بايع فيها وفد الأوس والخزرج النبي صلى الله عليه وسلم قبيل هجرته وهجرة أصحابه إلى المدينة حيث قال أحدهم عبد الله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم اشترط لربك ولنفسك فقال أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ما تمنعون به أنفسكم فقالوا وما لنا إذا فعلنا ذلك؟ فقال الجنة. فقالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل. فأنزل الله الآية.
ومع احتمال صحة المحاورة المروية عند بيعة العقبة فإن أسلوب الآية ومضمونها يسوغان الشك في صحة رواية نزولها في ظروف بيعة العقبة. بل إن الرواية نفسها تسوغ هذا الشك لأن كل ما طلبه النبي صلى الله عليه وسلم من الوفد هو المنع والحماية بينما الآية واسعة المدى في الجهاد. ولقد ذكرنا في سياق شرح قصة وقعة بدر في تفسير سورة الأنفال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى له على الأنصار إلّا الدفاع والحماية فقط. ولذلك لم يقدم على الاشتباك مع قريش إلّا بعد أن استشارهم وأظهروا استعدادهم للحرب مما فيه تأييد لذلك. ولقد ربط الطبري وغيره بين الآية الأولى والثانية وقالوا: إن الله قد بين في الثانية صفات المؤمنين الذين اشترى منهم أنفسهم. حيث يفيد هذا أن الآيتين نزلتا معا. وهو ما لم تروه الرواية. والانسجام بين الآيتين تام يؤيد ذلك. فضلا عن أن ما في الآية الثانية من صفات لم يكن بعد متحققا في الذين بايعوا بيعة العقبة.
وبالإضافة إلى هذا فإننا نرى التناسب قائما بين الآيتين والسياق السابق بحيث