تعليق على الآية كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ... إلخ والآيتين التاليتين لها
روى المفسرون روايتين في سبب نزول الآيات. واحدة تذكر أنها نزلت في مناسبة تأنيب زعماء اليهود لمن أسلم منهم مثل عبد الله بن سلام وغيره. وثانية تذكر أنها نزلت في مناسبة فخر اليهود بتفضيل الله إياهم على العالمين. ومع ذلك فقد رووا عن أهل التأويل قولين في المقصود من أهل الكتاب. أحدهما أنهم اليهود خاصة وثانيهما أنهم اليهود والنصارى معا.
وليس شيء من ذلك واردا في كتب الصحاح. وروح الآيات ومضمونها وتطابق الصفات الواردة فيها مع الصفات الواردة في اليهود صراحة في آيات أخرى وبخاصة في آية سورة البقرة [٦١] تجعل القول بأن الآيات في اليهود هو الأوجه.
مع التنبيه على أننا لسنا نرى في الآيات ما يمكن أن يؤيد احتمال صحة رواية نزولها في مناسبة تأنيب زعماء اليهود لمن أسلم منهم ونرى الرواية التي تذكر أنها في مناسبة فخر اليهود بأنهم أفضل العالمين محتملة الصحة أكثر بل قوية احتمال الصحة. ومن المحتمل أن يكونوا قد دعموا فخرهم أمام المسلمين بما ورد في القرآن من ذلك في آيات عديدة مثل آيات البقرة [٤٧ و ١٢٢] والدخان [٣٢] والجاثية [١٦ و ١٧] فضلا عما كانوا يستندون إليه في ذلك من نصوص أسفارهم فاقتضت حكمة التنزيل بالإيحاء بالآيات لتقرير كون المؤمنين بالرسالة المحمدية التي تقرر وحدانية الله بدون أي شائبة وربوبيته الشاملة صاروا هم الأولى بوصف كونهم خير أمة أخرجت للناس لأنهم صاروا بالهدى الذي اهتدوا به دون غيرهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله إيمانا صادقا وخالصا.
على أن مما تلهمه الآيات أيضا بالإضافة إلى ذلك أن اليهود كانوا يتبجحون بقدرتهم على القتال وإمكانهم أن يعلبوا المسلمين وأن بعض المسلمين كانوا يحسبون لهم حسابا من هذه الناحية. وهذا مما روي عنهم وأوردناه في سياق