عباس وابن مسعود غير وثيق السند، وفيه غرابة لأنه يعزو تسمية النساء بالسفهاء لله تعالى وليس في القرآن شيء من ذلك. وهما بعد أفقه من أن يغيب عنهما أن الكلمة في الآية مطلقة تشمل كما هو المعقول والمتسق مع روح الآية ومقامها كل قاصري العقول ضعفاء الأحلام من رجال ونساء وصبيان. ولقد رد القرآن على قول المنافقين: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ قائلا: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وهذا يدعم ذلك لأن القائلين رجال فوصفهم الله بأنهم ضعاف العقول والأحلام. وقد يقال إن هناك أحاديث نبوية فيها وصف للنساء بأنهن ناقصات عقل ودين يوردها المفسرون في سياق هذه الآية وآية سورة النساء وغيرها بسبيل التدليل على صواب ما قالوه، ومن هذه الأحاديث ما هو صحيح. ولقد أوردنا هذه الأحاديث في التعليق الذي علقنا به على الآية [٢١] من سورة الروم والذي استطردنا فيه إلى بحث مساواة الرجل والمرأة ومركز المرأة والزوجة في القرآن وذكرناه ما يتبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله في صدد هذه الأحاديث وفي صدد ما قرره القرآن وخاطبها به من المساواة التامة مع الرجل في كل شأن من شؤون الدين والدنيا، ومن أهليتها التامة لكل ذلك، ومن تكليفها بكل ما كلف به الرجل، ومن ترتيب كل ما رتب عليه عليها بدون أي تمييز مما يتنافى مع وصف النساء بالسفهاء بصورة مطلقة، بالإضافة إلى الحقيقة القرآنية الكبرى وهي أن كل ما خوطب به المؤمنون والكافرون والمشركون والمنافقون من تلك الشؤون مما ليس فيه قرينة تخصيصية للذكور هو شامل للذكور والإناث معا، ولا يمكن أن يصح هذا في عقل عاقل إلا مع فرض الأهلية التامة للمرأة عقليا وروحيا وأخلاقيا وجبلة.
وقد يكون في بعض آيات القرآن في السور المدنية ما يوهم تعارضا شيئا ما مع هذا التعميم والإطلاق. ولكنه في حقيقته ليس من شأنه أن ينقضه على ما سوف نشرحه في مناسباته والله تعالى أعلم.