تنديدا بالأعراب المعذرين والقاعدين. وعلى سبيل الاستطراد لبيان طبيعة الأعراب أكثر منها لقصد التشديد والتغليظ على ما هو المتبادر. فكافرهم يكون أشدّ كفرا ومنافقهم أشدّ نفاقا. وهم أكثر بعدا عن تقدير وإدراك وفهم حدود ما أنزل الله.
وواضح أن هذا مظهر من مظاهر الاجتماع البشري وتفاوت درجاته.
فالأعرابي أقسى طبعا وأجفى خلقا وأقلّ تقيّدا بالواجبات وإدراكا للحدود من الحضري. وكلما تقدّم الإنسان في سلم الحضارة لطف طبعه ودمث خلقه ولان قلبه واتسع علمه وتجربته وأفقه. وأقام صلاته بالناس على أسس الواجبات والحقوق المتبادلة.
ولقد استعمل ابن خلدون لفظ العرب خطأ في مقام الأعراب أو استعمله استعمالا عاميّا كما كان شائع المفهوم في حياته وأدى هذا إلى فهم تقريراته عن البدو وطبائعهم وحياتهم وآثارهم فهما خاطئا. في حين أن ما ذكره عن نفور العرب من الحضارة وتدمير المعالم الحضرية إنما ينطبق على الأعراب لا على العرب. وهو ما يدخل في مفهومه جميع أعراب الدنيا لا أعراب العرب خاصة.
ومن الغريب أن يكون هذا الفهم الخاطئ وأن يستمر إيراده في معرض وصف طبائع العرب وأخلاقهم مع ما في الأمر من بداهة ومع ما في كلام ابن خلدون من دلالات على أنه إنما قصد البدو والأعراب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآية حديثا رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه فيما جاء «من سكن البادية جفا»«١» حيث ينطوي فيه المعنى المراد في الآية والله أعلم.
(١) أورد هذا الحديث عزوا إلى أبي داود والترمذي والنسائي المفسر ابن كثير في سياق تفسير الآية. وللحديث تتمة هي «ومن اتّبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن» .