حقا وعدلا. وبمعنى آخر تقرير قابلية الإنسان لاختيار طريقه وعمله، واستحقاق الضالّ الآثم العقاب بسبب اختياره طريق الضلال والإثم بعد أن بيّن الله عزّ وجلّ للناس الطريق وأوعد من حاد عنها كما ذكرته الآية التي قبلها. وفي هذا كذلك تلقين قرآني مستمر المدى كذلك.
تعليق على تعبير وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
والآيتان [٢٩ و ٣٠] وبخاصة تعبير وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ كانت موضوع تشاد بين أصحاب المذاهب الكلامية حيث استشهد بها وبأمثالها المعتزلة على أن الجزاء الأخروي هو جزاء عدل على أعمال الناس ومكتسباتهم في الدنيا وحيث أوّلها وأمثالها الأشاعرة ليجعلوا ذلك الجزاء من حقّ الله المطلق «١» .
والمعنى الذي شرحناه آنفا هو المتسق مع روح الآيات ومضمونها ومقام ورودها ومع روح الآيات القرآنية عامة. مع التنبيه إلى أننا لا نرى التشاد حولها وحول أمثالها متسقا مع ما استهدفته الآيات من العظمة والترهيب لإثارة هيبة الله وخوف المصير في قلوب الناس وحملهم على الارعواء ولا متسقا مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها من السعي والنشاط ونتائجهما في الدنيا والآخرة ممّا نبهنا إليه أكثر من مرة في السور السابقة. ومما قاله الطبري في معنى الجملة:(ولا أنا بمعاقب أحدا من خلقي بجرم غيره ولا حامل على أحد منهم ذنب غيره فمعذبه به) . حيث يفيد هذا أن هذا الإمام أخذ الجملة على معناها القريب الصحيح. وقد جاراه في ذلك البغوي والخازن والطبرسي.
ولقد أورد القاسمي في سياق آية الأنفال هذه: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) حديثا رواه مسلم عن أبي ذرّ يمكن أن يورد في
(١) انظر تفسيرها في الكشاف للزمخشري وكتاب الانتصاف وحاشية الشيخ محمد عليان المطبوعين مع تفسير الكشاف أيضا الطبعة الأولى مطبعة مصطفى محمد سنة ١٣٥٤.