من جميع الأجناس والألوان والطبقات يدينون لربّ واحد شامل الربوبية، متصف بجميع صفات الكمال منزه عن الشوائب في نطاق الأخوة والمساواة والحرية والعدل والإحسان والبر والتعاون والتضامن والتوادّ والمحبة والسلام والتسامح. لا يطغى فيه ولا يتعالي قوي على ضعيف ولا غني على فقير ولا زعيم على صعلوك، يؤخذ من غنيهم لفقيرهم ويرحم قويهم ضعيفهم، ويعين قادرهم عاجزهم ويؤيد أعلاهم أدناهم. ويجيز أدناهم على أعلاهم ويتساوى نساؤهم مع رجالهم في الحقوق والواجبات والتكاليف والنتائج الدنيوية والأخروية يتفانون في الله ورضوانه ويجاهدون في سبيله ويحملون راية دعوته ويدعون إليها بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن إلّا من ظلم وبغى. لا يستبد أحد منهم في رأي، وأمرهم شورى بينهم. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر يجتنبون الفواحش ما ظهر منها وما بطن ويتقون الله في السر والعلن ويقومون بواجبهم نحو الله والناس لا يبغون ولا يعتدون على أحد ولا يرضخون لظلم ولا بغي، لا يضيقون بمن يريد أن يحتفظ بدينه إذا هو وادّهم وسالمهم بل يبرونه ويعطونه حقه ويحكمون له إذا تقاضى عندهم بالحق وتكون له حريته الدينية والمدنية والقضائية يطيعون ولاة أمورهم الذين يجب أن يكونوا منهم فيما لا معصية فيه. ويأخذون حظهم من الدنيا كسبا وسعيا ومتاعا. ويستمتعون بزينة الله التي أخرجها لعباده والطيبات من الرزق من دون إسراف وينتفعون بكل ما في الكون من نواميس ومنافع مما احتواه القرآن في مختلف فصوله المكية والمدنية واحتوته السنة النبوية الثابتة القولية والفعلية.
وهذا التمثيل للبشرية في الإسلام ظل مستمرا بعد الهجرة مع اتساع نطاقه ثم ظل مستمرا بعد النبي صلى الله عليه وسلم مع اتساع نطاقه كذلك إلى الآن وسيظل إلى ما شاء الله حتى يتحقق وعد الله ويظهر الإسلام على الدين كلّه مما يزيد معنى العبارة القرآنية قوة بعد قوة.