للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمتبادر أن هذا التشريع النبوي مدني وقد اكتفت الآيات التي نحن في صددها بتقرير غضب الله وعذابه العظيم والخسران في الآخرة للمرتدين الشارحين بالكفر صدرا لأن هذا هو المناسب مع ظرف العهد المكي على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١١٢ الى ١١٣]

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣)

. (١) رغدا: واسعا ميسرا.

(٢) أنعم: جمع نعمة.

جمهور المفسرين على أن هذا المثل مضروب في مكة وكفارها: فمكة بلدة قد أنعم الله عليها بالأمن والطمأنينة ويسّر لها أسباب الرزق يأتيها من كلّ مكان بسهولة وسعة. فلم يرع أهلها حقّ الله ولم يشكروا نعمه وأفضاله ولما جاءهم رسوله منهم يدعوهم إليه وقفوا منه موقف المكذب الباغي. ولذلك أخذهم عذاب الله بظلمهم وإجرامهم وكفرهم وبغيهم، وبدل أمنهم بالخوف وسعة رزقهم بالتقتير والجوع، وجعلهم مثلا يتمثل به وعبرة للمعتبرين.

والآيات تنطوي على تذكير بعذاب وضيق وجوع وخوف وقع على أهل القرية أو على أهل مكة على ما اتفق عليه جمهور المفسرين. وقد رووا «١» أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بعد هجرته بسنين كسني يوسف ومنع عنهم في الوقت نفسه


(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي والخازن والطبرسي وابن كثير والزمخشري إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>