في الآيات تقرير لمظهر من مظاهر النظام الذي أقام الله عليه الاجتماع البشري. وهو أن ينبري لكل نبي عدو من شياطين الإنس والجن فيوحي بعضهم إلى بعض بالوساوس وتزيين الباطل بزخرف القول للتغرير والخداع. وقد تضمنت الفقرة الأخيرة من الآية ثم الآية الثانية تسلية وتطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم: فعليه أن لا يأبه بمن انبرى له من الشياطين العتاة بل يدعهم وما يفترون. ولن يكون لهم تأثيرا إلا على الناس الذين لا يؤمنون بالآخرة فهؤلاء هم الذين تميل قلوبهم إلى ما يقولونه ويزوقونه ويرضون به ليستمروا في اقتراف ما يقترفونه من آثام. أما جملة وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فجائز أن تكون أسلوبية فيها تتمة للتسلية والتطمين، وجائز أن تكون بقصد تقرير كون الله عز وجل لو شاء لمنعهم من فعل ما يفعلونه ولكنه تركهم لاختيارهم حتى يستحقوا جزاءهم وفاقا له.
وبهذا الشرح المستلهم من فحوى الآيات وروحها لا يبقى إن شاء الله محل للتوهم من ظاهر العبارة بأن الله قد شاء أن يجعل أعداء من الشياطين لكل نبي أرسله.
وفي حصر الميل للشياطين ووساوسهم بالذين لا يؤمنون بالآخرة قرينة على صواب التأويل السابق من جهة وتعليل لذلك الميل من جهة أخرى. فلا يميل إلى